الهجرة غير الشرعية .. أزمة تؤرق العالم

إعداد: رانيا البدرى
فى جميع أنحاء العالم، تواصل الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة تأجيج ردة الفعل الشعبية ضد الهجرة العالمية، وهو ما دفع بعض الحكومات الوسطية إلى تبنى موقف أكثر صرامة بشأن الهجرة. ولكن مع سيطرة الإستراتيجيات القصيرة الأجل على المناقشة، تظل العديد من الدوافع المستمرة للهجرة دون معالجة، حتى مع تعثر الجهود المبذولة لصياغة إجماع عالمى بشأن الهجرة بسبب المطالبات بإيجاد حلول سريعة.
منذ فترة طويلة، تراجعت أزمة اللاجئين الأوروبية فى عام 2015، عندما وصل أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء إلى أوروبا من سوريا وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط وإفريقيا. لكن الزيادة الأخيرة فى أعداد المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط والقناة الإنجليزية (بحر المانش)، تثير مرة أخرى قلقا وتوترات فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي
ونتيجة لذلك، يواصل الشعبويون اليمينيون المتطرفون، مثل مارين لوبان فى فرنسا وخيرت فيلدرز فى هولندا، تأجيج المشاعر المناهضة للمهاجرين لتغذية طموحاتهم الانتخابية. حتى إن فيلدرز حقق فوزا مفاجئا فى الانتخابات الهولندية العام الماضي، رغم أنه لم يتمكن بعد ذلك من تشكيل حكومة ائتلافية تسمح له بأن يصبح رئيسا للوزراء. وعلى النقيض من ذلك، جعلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى وحزبها اليمينى المتطرف المناهض للمهاجرين، «إخوة إيطاليا»، الهجرة محورا لحملتهم الناجحة فى انتخابات البلاد عام 2022. ومن ناحية أخري، فإن السرد الشعبوى الذى يعتبر الهجرة تهديدا، لا يزال يدفع الحكومات الوسطية إلى اتخاذ موقف متشدد بشأن هذه القضية فى الداخل، وذلك رغم تعاون هذه الحكومات مع بلدان المنشأ والعبور لتقييد الهجرة.
ولا يقتصر الانقسام السياسى فى هذه القضية على أوروبا فقط، فقد كانت المشاعر المعادية للمهاجرين عنصرا أساسيا فى حملة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب عام 2016 والتى أصبح بعدها رئيسا للولايات المتحدة، ثم أعاد بعد ذلك تشكيل السياسة الأمنية الأمريكية حول وقف الهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، لم يكن لهذه القضية نفس الصدى فى الحملة الرئاسية لعام 2020. ومع تولى الرئيس الحالى جو بايدن لمنصبه، وعد باتباع نهج أكثر شمولا لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة الهجرة فى أمريكا الوسطي، لكن الأحداث تجاوزت هذه الجهود. حيث أدى تزايد معدلات الهجرة إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وما تلاها من تحولات جذرية فى أنماط الهجرة فى نصف الكرة الغربي، إلى الضغط على سياسة بايدن تجاه الحدود الأمريكية، حتى إنها أصبحت تشبه كثيرا محاولات ترامب للحد من الهجرة.
ونظرا لأن المناقشات السياسية حول الهجرة غالبا ما تهيمن عليها الإستراتيجيات القصيرة المدي، فإن عديدا من الدوافع المستمرة، بما فى ذلك الاضطهاد والصراع والحرب، تظل دون معالجة. حيث أحصت أحدث أرقام وكالة الأمم المتحدة للاجئين 108.4 مليون نازح قسرى حول العالم فى نهاية عام 2022، ارتفاعا من 89.3 مليون فى عام 2021. وترجع الزيادة إلى حد كبير إلى تنامى الحروب فى إثيوبيا وأوكرانيا. وفى حين قد يسعى زعماء العالم إلى الحد من الهجرة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، فإنهم لا يستطيعون تجاهل الدور الذى يلعبه الصراع والاضطهاد، والذى غالبا ما يجعل طالبى اللجوء غير قادرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية. وفى الوقت نفسه، كان هناك أيضا تركيز عالمى ضئيل على دوافع الهجرة المستقبلية، بما فى ذلك تغير المناخ.
إن الجهود المبذولة لتبنى نوع من الإجماع العالمى بشأن الهجرة ــ مثل الاتفاق العالمى للأمم المتحدة بشأن الهجرة، والذى انسحبت منه العديد من البلدان، بما فى ذلك الولايات المتحدة فى عهد ترامب ــ تقع بالمثل ضحية لنفس القوى التى تطالب بحلول سريعة لقضية معقدة. وفى غضون ذلك، فإن الاتجاه بين الدول الغنية لإجبار اللاجئين وطالبى اللجوء على انتظار معالجة طلباتهم فى بلدان ثالثة – مثل خطة الترحيل المقترحة من المملكة المتحدة مع رواندا ـ ينذر بالخطر، بل يهدد مبادئ القانون الدولى الإنسانى ذاتها التى يقوم عليها نظام اللاجئين واللجوء.
نتيجة لما سبق، كان من المنطقى طرح عدة تساؤلات رئيسية حول ما سيحدث بعد ذلك. فمثلا: ما هو الدور الذى ستلعبه الهجرة فى الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبى فى يونيو المقبل؟ وهل سيدفع بايدن ثمنا باهظا بسبب نهجه فى التعامل مع سياسة الهجرة فى الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل؟ ثم كيف سيؤثر تغير المناخ على تدفقات الهجرة على المدى الطويل؟
للإجابة على هذه الأسئلة لابد أولا أن نعترف أنه لا يوجد حل سحرى للتحدى الإنسانى المفروض فى «فجوة دارين»، وهى امتداد من الغابات بين كولومبيا وبنما وتصنف من بين أكثر الأماكن خطورة، ويمر عبرها آلاف المهاجرين يوميا. لكن أى حل يجب أن يتضمن خلق فرص اقتصادية مستدامة لسكان البلدات الحدودية، حتى لا ينجذبوا إلى تجارة تهريب البشر المربحة.