32 دولة إفريقية مستقلة انطلقت في رحلة عظيمة.. يوم إفريقيا

بمناسبة يوم إفريقيا، تعرب مفوضية “بان أفريكان موفمنت العالمية” من مقرها بالقاهرة والمجلس الاقتصادى الإفريقى وجمعية أسرة وادى النيل، عن تهانيها الحارة والصادقة للشعوب الإفريقية، بمناسبة الاحتفال بيوم إفريقيا، قبل 61 عاماً، في 25 مايو 1963، انطلقت مجموعة من 32 دولة إفريقية مستقلة في رحلة عظيمة، حيث اجتمع مندوبو هذه الدول في أديس أبابا بإثيوبيا لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية
وكانت لحظة تاريخية، جسدت كفاح إفريقيا الطويل من أجل الحرية والرخاء للجميع، الذى بدأته منظمة “بان أفريكان موفمنت جلوبل” عام 1896، بنداء الوحدة والحرية لـ هنرى سليفستر وليم وإدوار دبوا لتكون أهم تجمع للأحرار والثوار الوحدويين الأفارقة، الذين انتقلت معهم مشاعر الولاء والانتماء وحب الوطن الأم القارة الإفريقية إلى الأراضى البعيدة لما وراء البحار، لمواجهة الممارسات الرجعية للاستعمار وإضفاء الهوية الإفريقية على شعوب الأرض التى عانت من نفس ممارسات سلب ونهب ونير المستعمر لتصيغ عقيدة (Pan-Africanism) الأفارقة، لتدعو لتضامن الأفارقة في جميع أنحاء العالم من أجل الحرية والوحدة وإنهاء الهيمنة والتبعية، وتستند فى مبادئها التى تقوم عليها إلى الاعتقاد بأن الوحدة هي عامل حيوي للتقدم الاقتصادي والاجتماعى، والسياسي.
وتهدف إلى “توحيد ورفعة” الشعوب ذات الأصول الإفريقية، ليفتخروا بجذورهم الإفريقية، وتعميق هذه الروابط من خلال الأعمال البطولية لشعوبنا ضد الاستعمار والعنصرية على التراب الإفريقي، وكذلك من أجل الحفاظ على السيادة والسلامة الإقليمية للعديد من الدول الإفريقية وتسليط الضوء على علاقات الصداقة والتضامن والتعاون الواسعة والمتينة التي تم بناؤها بين إفريقيا والشعوب ذات الأصول الإفريقية، والفكاك من التبعية السياسية والاقتصادية.
وتوالت المؤتمرات التى اصطدمت بالقوى الاستعمارية التى عرقلت تقدمها ودحضت مساعيها، حتى عام 1945 ليعقد المؤتمر السادس للجامعة الإفريقية فى مانشستر، حيث يعد هذا المؤتمر هو العلامة الفارقة والتغير الدراماتيكى لتاريخ حركة عموم إفريقيا للأسباب الآتية:
– انعقاده بعد فترة طويلة تقارب العقدين من الزمان وفور انتهاء الحرب العالمية الثانية.
– تغير قيادة المؤتمر، إذ زاد عدد الزعماء الأفارقة المشاركين من القارة الإفريقية، وقل عدد الزنوج المشاركين من أمريكا وأوروبا، ونتج ذلك عن تبلور فكرة الوحدة الإفريقية وتناميها بعد الحرب العالمية الثانية.
– حضر المؤتمر، عدد كبير من العاملين بالحقل السياسى، وكذلك ممثلون للعمال والنقابات والشباب، وسيطر على المؤتمر المثقفون القادمون من المستعمرات الإفريقية مباشرة، ومن أبرزهم كوامي نكروما (غانا) والمعروفة بساحل الذهب فى هذا الوقت، وجوموا كنيتا من كينيا، ولاك جونستون من سيراليون، والشاعر الكبير الدكتور روفائيل من دولة توجو، والدكتور بيتر أبراهام من جنون إفريقيا، وكل من ماجنز وليمز وإزيكوى من نيجيريا.
وصدرت عن هذا المؤتمر مجموعة من أهم القرارات:
– رفض الحدود المرسومة من قبل الاستعمار، التى تحول دون قيام دول أو وحدات سياسية مستقرة.
– الاستقلال التام لشعوب غرب إفريقيا هو الحل الوحيد لقضاياهم.
– التضامن مع وتأييد مطالب شعوب شمال إفريقيا المطلة على البحر المتوسط.
– إلغاء الحكم البريطانى فى السودان، وتأييد حق السودانيين فى الاستقلال.
ولأول مرة نجح هذا المؤتمر، فى التحول من مراحل تسجيل الاحتجاجات والاعتراضات إلى سلاح وآلية عمل لحركات التحرير الوطنى الإفريقية، والنضال المنظم ضد الاستعمار، كما تم الفصل فيه بين حركة الزنوج فى أمريكا، وحركات التحرير الإفريقية.
وعلى ضوء ذلك، تم تأسيس أول نواة للجامعة الإفريقية (حركة بان أفريكان موفمنت العالمية)، على أول دولة محررة فى القارة الإفريقية، وهى المملكة المصرية، تحت اسم الرابطة الإفريقية والمعروفة الآن بالجمعية الإفريقية، بمقرها 5 شارع أحمد حشمت بالزمالك بالقاهرة، التى قامت باحتضان حركات التحرير بالقارة الإفريقية، التى وصل عددها إلى 38 حركة.
إلى أن قامت بتأسيس أول تنظيم يضم نضال الشعوب الأفروآسيوية عام 1958 بباندونج، نتيجة لمجموعة من المؤتمرات التى تم عقدها فى الرابطة الإفريقية بالقاهرة، بداية من عام 1949، مرورا بمؤتمر عام 1954، للتأسيس لتضامن الشعوب الأفروآسيوية، وتضافر الجهود بينها لدعم كفاح الشعوب لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة والوحدة.
وهى الأسس التى قام عليها مؤتمر الشعوب الإفريقية الأول بأكرا عاصمة غانا بنهاية عام 1958، من 5 إلى 13 ديسمبر عام 1958، وعقده رئيس وزراء غانا الدكتور كوامى نكروما، وكان يضم ممثلين من مصر (التى كانت آنذاك جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة)، وإثيوبيا، وليبيريا وليبيا والمغرب والسودان وتونس واتحاد شعوب الكاميرون والبلد المضيف غانا، وعرض المؤتمر التقدم الذى أحرزته حركات التحرير فى القارة الإفريقية، بالإضافة إلى ترمز إلى تصميم شعب إفريقيا على التحرر من الهيمنة، ودعا المؤتمر إلى تأسيس يوم حرية إفريقى، وشارك فيه 200 عضو، مثلوا 50 حزبا سياسيا ونقابات عمالية واتحادات طلابية إفريقية.
وتتجلى أهمية هذا المؤتمر، فى أنه أعلن عن ميلاد القطب الفاعل فى القارة الإفريقية وهو الرابطة الإفريقية، التى اختصت بالعمل على المستوى الشعبى، حيث أعلن الرئيس الغانى “كوامي نكروما” شعار القارة الإفريقية، وهو (إفريقيا للإفريقيين)، الذى لم يعن استثناء الجنسيات الأخرى، لكن قصد أن الإفريقيين الذين يمثلون الأغلبية البشرية فى القارة الإفريقية، يجب أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم فى دولهم.
تلاه مؤتمر الشعوب الإفريقية الثانى من 25 على 29 يناير 1960، الذى ناقش فكرة إنشاء مجتمع إفريقى موحد ينبذ الحدود الوضعية التى رسمها الاستعمار، كما دعا لإنشاء السوق الإفريقية المشتركة، وإنشاء بنك للاستثمار الإفريقى، وكذلك مؤسسة للتنمية الاقتصادية فى إفريقيا.
وحث على نشر الوعى بالهوية الإفريقية وقوميتها بين أبناء القارة، حتى تتصدى الشعوب للمؤامرات الاستعمارية وتحبطها، كما أوصى بإنشاء معهد لتدريب اللغات الإفريقية لدعم الروابط بين شعوب القارة.
ثم مؤتمر الشعوب الإفريقية الثالث عقد فى القاهرة فى الفترة من 25 إلى 30 مارس 1961، وشارك فيه 300 مندوب مثلوا جميع شعوب القارة، وصدرت عنه مجموعة من التوصيات أهمها التصدى لمشكلة الاستعمار الجديد فى القارة، والتوصية باستنكار ورفض كل الأساليب الاستعمارية، بما فى ذلك الاتحادات الفيدرالية مع الدول الاستعمارية، المطالبة بتصفية كل القواعد العسكرية للمستعمر فى جميع الدول الإفريقية، التعاون بين الدول الإفريقية المستقلة بعضها بعضا فى كل الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية، تأسيسا لتحقيق رغبة الشعوب الإفريقية فى الوحدة وأوصى المؤتمر بإنشاء عدة أجهزة تعمل على تحقيق ذلك.
وبذلك عقد مؤتمر الشعوب الثالث بالقاهرة، هو أهم المؤتمرات من ناحية عدد المشاركين، حيث شارك معظم زعماء القارة، وأيضا على مستوى التوصيات والأفكار والمبادئ والآليات الصادرة عنه، التى تمحورت حول الحرية والتضامن بين الشعوب الإفريقية.
في 25 مايو 1963، التقى ممثلو ثلاثين دولة إفريقية في أديس أبابا في إثيوبيا، في ضيافة الإمبراطور هيلا سيلاسي، بحلول ذلك الوقت، كان أكثر من ثلثي القارة قد حصلت على استقلالها، معظمها من الدول الأوروبية الإمبراطورية، في هذا الاجتماع، تم تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، بهدف أوّلي هو تشجيع إنهاء الاستعمار في أنجولا وموزمبيق وجنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية، وتعهدت المنظمة بدعم العمل الذي يقوم به المقاتلون من أجل الحرية، وإزالة الوصول العسكري إلى الدول الاستعمارية، تم وضع ميثاق يهدف إلى تحسين مستويات المعيشة عبر الدول الأعضاء، هتف سيلاسي، “أتمنى أن يستمر عقد الاتحاد هذا 1000 عام”.
تم التوقيع على الميثاق من قبل جميع الحاضرين في 26 مايو، باستثناء المغرب، في ذلك الاجتماع، تم تغيير اسم يوم الحرية الإفريقي إلى يوم تحرير إفريقيا. في عام 2002، تم استبدال منظمة الوحدة الإفريقية بالاتحاد الإفريقي.
وما زلنا نسير على الدرب نحو التنمية، ورفعة قارتنا وشعوبنا، ونحن نشدد على أهمية الوحدة والقوة الاقتصادية، وسط أزمات عالمية متعددة ومتداخلة.
.