الدكروري يكتب/ القاضي أمين والأمير أمين

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد إن من معاني الأمانة هو أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملا في العمل المنوط به، وأن يحسن فيه تمام الإحسان ويجتهد على حقوق الناس التي وضعت بين يديه، فكل من كان واليا على شيء خاص أو عام فهو أمين عليه يجب أن يؤدى الأمانة فيه، فالقاضي أمين والأمير أمين ورؤساء الدوائر، ومديروها والمعلمون والأطباء والمهندسون أمناء يجب عليهم أن يتصرفوا فيما يتعلق بولايتهم بالتي هي أحسن، وفيما ولوا عليه حسبما يستطيعون، أولياء اليتامى وناظروا الأوقاف وأوصياء الوصايا كل هؤلاء أمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة بالتي هي أحسن.

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به فيقال هذا غدره فلان” وفي رواية يقول صلى الله عليه وسلم ” لكل غادر لواء يرفع له بقدر غدرته، إلا ولا غادر أعظم من أمير عامة” رواه البخاري، ومن معاني الأمانة أيضا أن لا يستغل الرجل منصبه لجر منفعة إلى شخصه أو قرابته، فان التشبع من المال العام جريمة، فقال صلى الله عليه وسلم “من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” رواه أبو داود، أما الذي يلتزم حدود الله في وظيفته، ويأنف من خيانة الواجب الذي طوقه فهو عند الله من المجاهدين لنصرة دينه وأعلا كلمته، فقال صلى الله عليه وسلم “العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق، لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته” رواه الطبراني.

وقد شدد الإسلام في ضرورة التعفف عن استغلال المنصب، وشدد في رفض المكاسب المشبوهة، فعن عدي بن عمير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوق كان غلولا يأتي به يوم القيامة” رواه مسلم، إنه الحفاظ على المال العام، إنه الحرص على المال الذي يشارك فيه الفقير والمسكين، والضعيف واليتيم والأرملة، انه الأمر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم “أحرج حق الضعيفين، الأرملة والمسكين” والأمانة تدعو إلى رعاية الحقوق، وتعظيم النفس واحترام الناس ولا تكون إلا إذا استقرت في وجدان المرء وحافظ عليها، فهذه هى يعض صفات الأمانة التي نحتاج إحياءها وتمثلها في مجتمعنا ومسئولياتنا، وهي قضية ضخمة، لا يستطيع حملها الرجال المهازيل.

وقد ضرب الله المثل لضخامتها، فأبان أنها تثقل كاهل الوجود كله، فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها، أو يفرط في حقها، ومع كل ذلك فقد تحملها الإنسان، فالواجب على كل مسلم القيام بحق الأمانة وحملها كما أمر الله تعالى ومراقبة الله في كل تكليف تحمله أو مسئولية أنيطت به أو مال دخل في حوزته، والواجب أيضا التعاون على البر والتقوى في القيام بها ومن ذلك إبلاغ الجهات المختصة عن مراقبة المال والشأن العام عن أي سرقات أو تجاوزات أو استغلال لمنصب، أو استلام لمشاريع خلافا للعقود المبرمة، فاتقوا الله تعالى، واتقوا الله فإن فمن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جلّ وعلا عز لصاحبها وتمكين له ورفعة في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائما وأبدا لأهل التقوى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى