الدكرورى يكتب: البكاء خشية من الله يرقق القلب

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى الله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا إلى يوم الدين أما بعد روى أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه صر أربعمائة دينار وقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له يقول لك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اجعل هذه في بعض حوائجك قال وصله الله ورحمه ثم دعا بجاريته وقال لها اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفدها فرجع الغلام إلى عمر رضي الله عنه وأخبره فوجده قد عد مثلها لمعاذ بن جبل فقال له انطلق بها إلى معاذ بن جبل. 

وانظر ما يكون من أمره فمضي إليه وقال له كما قال لأبي عبيدة بن الجراح ففعل معاذ كما فعل أبو عبيدة فرجع الغلام فأخبره عمر فقال أنهم إخوة بعضهم من بعض” رواه الطبراني، وقال مخول جاءني بهيم يوما فقال لي تعلم لي رجلا من جيرانك أو إخوانك يريد الحج ترضاه يرافقني قلت نعم فذهبت إلى رجل من الحي له صلاح ودين، فجمعت بينهما وتواطآ على المرافقة، ثم انطلق بهيم إلى أهله فلما كان بعد أتاني الرجل فقال يا هذا أحب أن تزوي عني صاحبك وتطلب رفيقا غيري، فقلت ويحك، فلم ؟ فوالله ما أعلم في الكوفة نظيرا له في حسن الخلق والاحتمال ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا، قال ويحك حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر، فهذا ينغص علينا العيش سفرنا كله، قال ويحك حدثت أنه طويل البكاء أحيانا عند التذكرة يرق القلب فيبكي الرجل. 

أوما تبكي أحيانا ؟ قال بلى ولكنه قد بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه، قال قلت اصحبه فلعلك أن تنتفع به، قال أستخير الله فلما كان اليوم الذي أراد أن يخرج فيه، جيء بالإبل وطيء لهما فجلس بهيم في ظل حائط، فوضع يده تحت لحيته وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته ثم على صدره حتى والله رأيت دموعه على الأرض، قال فقال لي صاحبي يا مخول قد ابتدأ صاحبك، ليس هذا لي برفيق، قال قلت ارفق لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق، وسمعها بهيم فقال والله يا أخي ما هو ذاك وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة، قال وعلا صوته بالنحيب، قال لي صاحبي والله ما هي بأول عداواتك لي أو بغضك إياي، أنا مالي ولبهيم ؟ إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين ذواّذ بن علبة، وداود الطائي وسلام أبي الأحوص حتى يبكي بعضهم إلى بعض. 

حتى يشتفوا أو يموتوا جميعا، قال فلم أزل أرفق به وقلت، ويحك لعلها خير سفرة سافرتها، قال وكان رجلا صالحا إلا أنه كان رجلا تاجرا موسرا، مقبلا على شأنه لم يكن صاحب حزن ولا بكاء، قال فقال لي قد وقعت مرتي هذه ولعلها تكون خيرا قال فخرجنا جميعا حتى حجا ورجعا ما يرى كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه، فلما جئت أسلم على جاري قال جزاك الله يا أخي عني خيرا، ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم، قال قلت فكيف كان أمرك معه في الذي كنت تكرهه من طول بكائه ؟قال ألفت والله ذلك البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى تأذى بنا أهل الرفقة، قال ثم والله ألفوا ذلك.

فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا، وجعل بعضهم يقول لبعض، ماالذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد ؟ قال فجعلوا والله يبكون ونبكي، قال ثم خرجت من عنده، فأتيت بهيما فسلمت عليه، فقلت كيف رأيت صاحبك ؟ قال كخير صاحب كثير الذكر طويل التلاوة للقرآن سريع الدمعة، محتملا لهفوات الرفيق، فجزاك الله خيرا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى