الدفاع عن شرف الحياة وحرمات الدين .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، إن من أبرز النعم التي يجب علينا أن نشكرها ونحافظ عليها هي نعمة الإستقلال، نعم إن الإستقلال نعمة تستوجب شكر الله، ولا يقدر شكر هذه النعمة إلا من عرف مخازي الإستعمار، وذاق مرارة الذل والإستعباد.
وعانى حياة البؤس والشقاء في ظل الإستدمار، أو تواترت إليه بذلك الأخبار، فإلى الله نتوجه بالشكر على ما أنعم به علينا من تخليصها من أنياب شيطان الاستعمار، وأعاد أرض الإٍسلام إلى أمة الإسلام، وأحال كنائس التثليث إلى مساجد التوحيد، فنحمد الله على ذلك ونستنزل من رحماته الطيبة وصلواته الزكية على شهدائنا الأبرار، ما يكون جزاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة وحرمات الدين وعزة الإسلام وحقوق هذا الوطن الغالي، وهكذا علمنا رسولنا المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم، فإنه لما طال عليه الأمر دعا صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل المدينة وطنا ثانيا له وللصحابة يحبونها كحبهم لوطنهم الأول مكة، فقال “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد” متفق عليه.
وقد إستجاب الله سبحانه وتعالى لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فصار صلى الله عليه وسلم يحب المدينة ويشتاق إليها فعن أنس بن مالك رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة، أوضع أي أسرع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حبها” رواه البخاري، بل وكان يحب كل جزء فيها حتى جبالها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وبدا له أحد، قال “هذا جبل يحبنا ونحبه” ثم أشار بيده إلى المدينة، قال “اللهم إني أحرم ما بين لابتيها، كتحريم إبراهيم مكة، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا” متفق عليه.
ويقول الإمام الذهبي “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب أسامة، ويحب سبطيه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أحد، ويحب وطنه” بل نقول أكثر من ذلك، ونذهب إلى أبعد من مجرد أن حب الوطن دين وفطرة فنقول إن في تراب الوطن شفاء، ودليلنا على ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا، ووضع سفيان سبابته بالأرض، ثم رفعها “باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى به سقيمنا، بإذن ربنا” متفق عليه.
وقال جمهور العلماء بأن المراد بأرضنا هنا جملة الأرض، وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها” وقال الإمام النووي ومعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح، والله أعلم” وفي فتح الباري “وزعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه، مع منفعته في تجفيف الجراح وإندمالها” وقال الإمام الجاحظ “وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلدها رملا وعفرا تستنشقه عند نزلة أو زكام أو صداع”.