محمد كمال قريش يكتب: الأدب.. بين الركود والتحديث وتأثر الكاتب العربي بالغربي

 

 

شرعت أقرأ رواية “الحرب والسلم” للروسي ليو تولستوي، سمعت عنها الكثير، وكنت قد قرأت له سابقًا رواية”آنّا كارنينا” والتي أعجبتني جدًا.

الحرب والسلم، لا شك في أنها رائعة، تحكي عن المجتمع الروسي ومشاكله واختلاف طبقاته، وعن الطبقة الحاكمة وسطوتها. تولستوي أديب كبير لا غبار على ذلك، أسلوبه شائق. لكن صفحة وصفحتين ووجدتني لا أطيق القراءة!

كتابة ليست عن حقبة ولت فقط، بل في حقبة ولت. الكاتب ذاته بأفكاره وفلسفته وأسلوبه قديم، فات أكثر من مائتي عام على عصره. 

يكتب عن الحكام والأمراء والنبلاء، وعن الفقراء والمساكين والتعساء. يذكر أسماء لشخصيات عديدة ومتشابهة ومتشابكة، لدرجة أني لم أستطع تذكر ماذا يقرب هذا لذاك، أو من الذي فعل ماذا!

هذه ليست مشكلة تولستوي بالتأكيد، ربما هي مشكلة حديثة في ذائقتي. وربما يعود الأمر لنفاد صبر القارئ بداخلي.

أعطيتها فرصة، وأعطيتني فرصة؛ أريد أن اعرف عمّاذا تحكي الحرب والسلم، أي قضايا وأي مواضيع وأي شخصيات. لكن بعد كم صفحة أخرى ووجدتني أمرر قطع كاملة؛ لوصف شخصيات أو الحديث عن مشاكلها مع الآخرين.. أريد الخلاصة!

كم صفحة أخرى وشعرت كأني أقرأ مسرحية؛ حيث الحوار يطغى على السرد. ومعظمه حوار لا يزيد من رتم الأحداث، بل مط في مط!

قررت التوقف؛ صفحة عن صفحة ينفد صبري. خاصة بأن المترجم استخدم كلمة “بيدَ” مرات عديدة، وأوقات في غير موضعها. ومن الترجمة أيضًا، شعرت بأنها لا تختلف عن الكثير من الأعمال المترجمة التي قرأتها، وشعرت من داخل أعماقي أني أكره الترجمة!

أغلقتها وفتحت “أحدب نوتردام”، قصة مختلفة، شعب مختلف، شخصيات مختلفة. ولكني لم أستطع القراءة أكثر من بضع صفحات؛ حيث لم يجذبني الكاتب، بدأ الرواية بتعريف سريع لحياة المجتمع الباريسي وما إلى ذلك. وكنت أنتظر أن أقرأ اسم قارع أجراس كنيسة نوتردام، وأعرف قصته.. لكنها تأخرت.. وقد مللت!

المشكلة فيّ بالتأكيد..

لكنها كانت تجربة عملية لتعميق كلام ونصائح كاتبة وناقدة ومحررة أدبية كبيرة جدًا، داخل عقلي ونفسي.. بأن لا تؤخر الكتابة الجيدة، أو الأحداث المشوقة، إلى أن يمل القارئ. هذا درس.

الدرس الآخر هو أن كثرة القراءة في المترجمات، يجعل الكاتب العربي بشكل لا إرادي ولا وعيي يكتب مثلها. وأذكر هنا أنني لم أعرف كلمة “بيدَ” إلّا من الأعمال المترجمة. 

الأعمال المترجمة عظيمة ولا غنى عنها، لكن ليس لدرجة تفضيلها على الأعمال العربية. الأمر لا يتعلق بالأدب والإبداع فحسب، بل بالهوية. 

أخشى أن يفقد الكاتب العربي ثقته في لغته وأدبه وهويته، فيفقدها القارئ معه.

وإنّ ما يعزز هذه الفكرة بداخلي، هو أدب الرعب.

الأمر لم يعد مقتصر على مسايرة العصر ومتطلباته، ومحاكاة الأدب العالمي والنوعية الأكثر انتشارًا ومبيعًا، بل أصبح تشبهًا وتقليدًا واقتباسًا!

الكثير من كاتبي الرعب يكتبون عن خرافات وأساطير معظمها غربي، يطلقون على شخصياتهم أسماء غربية؛ هذا يعطي أفضلية لتصديق الأحداث الفانتازية والغرائبية بزعمهم.. ولكن…!

الترجمات..

أذكر أنني منذ أكثر من ثماني سنوات لم أستطع استكمال قراءة رواية “المحاكمة” لفرانز كافكا، على الرغم من أن أول كتاب أدبي قرأته كان له!

لم أعرف حينها وإلى الآن، إن كانت المشكلة في الرواية أم في الترجمة أم فيّ أنا.

وأخيرًا، أعتقد أن الأدب مثله مثل أشياء كثيرة، يخضع للتحديث المستمر، لا يجب أن يتمسك الكاتب بزمام قضايا وقصص وعبارات وصيغ قديمة. وإلّا لن نجد ما نطلق عليه إبداعًا.. فالإبداع هو الابتكار، وليس التقليد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى