خيانة الأمانة التربوية.. جريمة بحق الأجيال: الكاتبة/ الزهرة العناق

 

 

في عالم يفترض أن يكون فيه التعليم منارة تنير العقول، تتحول للأسف هذه المنارة أحيانا إلى بؤرة للانحراف الأخلاقي حين تخان الأمانة التربوية.

خيانة الأمانة ليست مجرد فعل عابر؛ بل هي ضربة قاتلة تطال عمق القيم التي يقوم عليها المجتمع، وتقود إلى تكوين أجيال متواكلة، لا تعرف للجهد قيمة، ولا للإبداع طريقا.

🔴خيانة تربوية بأقنعة من التميز الزائف

حين يشجع المسؤول التربوي طفلا على الغش، سواء بالصمت المريب أو بالتغاضي عن خطأ واضح أو تسريب الامتحان، فإنه يغرس في داخله قناعة بأن الطرق الملتوية هي السبيل الوحيد للنجاح. هذا الطفل، الذي يلهث وراء النقاط والألقاب الزائفة، ينشأ بشخصية فارغة من المبادئ، تعتمد على ما يقدمه الآخرون له، بدلا من أن يعتمد على ذاته ويؤمن بقدراته.

التربية، التي يفترض أن تكون أساس بناء الإنسان، تصبح هنا وسيلة لتدمير القيم.

فماذا لو كانت القدوة التربوية نفسها هي من تشعل فتيل الخيانة؟

ماذا لو كان المعلم، الذي يفترض أن يكون مربيا للأخلاق قبل أن يكون ناقلا للمعرفة، هو من يشرع الأبواب للغش والتدليس؟

🔴الأثر المدمر: أجيال متواكلة وشخصيات هشة

النتيجة الحتمية لهذه الممارسات هي تكوين جيل لا يعرف معنى المسؤولية، ولا يستطيع مواجهة التحديات. شخصية هشة، تتوكل على الحظ والوساطة بدل العمل والاجتهاد. هذا الجيل يصبح عبئا على نفسه ومجتمعه، عاجزا عن المساهمة في بنائه أو الدفاع عن قيمه.

حين يكرس الغش كوسيلة للوصول، تنقلب المعايير، ويصبح الشرفاء مهمشين، بينما يتصدر المشهد أولئك الذين حصلوا على امتيازاتهم بأساليب ملتوية. وهنا يفقد التعليم دوره الحقيقي كقوة تغير وتصلح، ويصبح أداة تعمق الانحدار الأخلاقي.

🔴القدوة: مسؤولية قبل أن تكون شعارا

المسؤول التربوي الذي يبرر خيانته، ويتكئ على القصص والحكايات للدفاع عن نفسه، يضيع فرصته لتقديم القدوة. القدوة ليست مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، بل هي أفعال. أن تكون قدوة يعني أن تكون أول من يرفض الغش، وأول من يعاقب عليه، وأول من يحفز الطفل على الاجتهاد، لا على اختصار الطريق بطرق ملتوية.

كيف لهذا المسؤول أن يدافع عن نفسه أمام ضميره؟

وكيف سيقف يوما أمام محكمة خالقه وهو يعلم أنه خان أمانة هي من أعظم الأمانات: أمانة التربية والتعليم؟

ماذا سيقول حين يسأل عن الأرواح التي أفسدها، والعقول التي عطلها، والقيم التي شوهها؟

🔴التربية أمانة لا تقبل الخيانة

التربية والتعليم ليستا مجرد وظيفة، بل هما رسالة سامية تستوجب الإخلاص والتفاني. خيانة الأمانة التربوية ليست خيانة لفرد أو مجموعة، بل هي خيانة لمستقبل أمة بأكملها.

لذا، على كل مسؤول تربوي أن يدرك أن الغش، وإن بدا وسيلة سهلة لتجنب المواجهة، هو بذرة الشر التي تنمو لتصبح شجرة من الفشل والخذلان. فلا عذر لمن خان أمانته، ولا مبرر لمن أهمل واجبه.

إن أردنا حقا إصلاح التعليم، فعلينا أن نبدأ بإصلاح النفوس المريضة التي تحمل هذه الرسالة، ليصبح التعليم منارة حقيقية تنير طريق الأجيال نحو القيم والمعرفة، لا نحو الظلام و التواكل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى