قصة (لمة بنات) .. للسفيرة القاصة الإعلامية الجزائرية / سراى نور فرح
قصة (لمة بنات) .. للسفيرة القاصة الإعلامية الجزائرية / سراى نور فرح

د. حاتم العنانى (المستشار الإعلامى للوكالة)
نور فرح متميزة في أفق الإبداع فهى شخصية هادئة الطباع حساسة رقيقة المشاعر مهمومة بالوطن ومشاكل المجتمع تحرص كل الحرص أن تقدم كل ما هو جديد فى الثرد القصصى بما يفيد من حولها فهى فتاة محبة للجميع لا يعرف قلبها الصغير البغض أبداً .. تأمل فى كتابتها بعالم مثالى يسوده الخير
قصة (لمة بنات)
بقلم السفيرة القاصة: سراى نور فرح (الجزائر)
كنا في جَمْعة بنات نتحدث ..وهذه ليست أول مرة نجتمع لنتسامر عن ما هو مفيد؟ وما هو غير مفيد ؟.. أيْ نعم نتشاجر أحيانا ..لكن الود لا يفسد قضية أي منا..عهدناها جلسة عادية نُلْقي فيها همومنا البريئة ..نجلس على أُفٍ وننهض على هاهاها..المهم أن هذه الجلسة وعلى غير العادة دخلها فرد جديد وصار لهذا المقام ميزة بحضور هيام .. لكثرة صمتها تخالها صماء..هي مبهمة الأحاسيس فلا نستطيع مجارات ما هي عليه من تناقض .. ولأول مرة ودون خوف ولا تردد استأذنتنا للجلوس معنا ..
خيم الذهول تلك اللمة وسرعان ما تداركت سعاد وكسرت حاجز الإنبهار قائلة برحابة صدر:
– نعم..بالطبع نحن لا نستثني أحد تفضلي .
هنا عادت أجواء المرح للبنات وراحت كوثر تتذمر:
– تعرفن يا بنات .. مازلت منذ سنة أحاول إقناع أمي أنني كبرت على تمشيطها لشعري.. وإختيارها ملابسي وصديقاتي ..لو شاهدت لمتنا هذه ..لا أدري حقا ماذا ستفعل؟ ..مللت وأشعر بقيودها تحاصر حياتي ..
راحت الفتيات يتحصرن لما قالت إلا ليلى أسكتتها قائلة :
– أنت فقط لست بارعة كفاية في فن الإقناع ..صدقيني ولو بعد سنين لن تقنعيها بشخصيتك السلبية هاته..ورمتها بزهرة عبثت بها طويلاً في يدها راثية حالها.
هنا وبنبرة الواثقة ردت هيام :
– ما يزعجك أنت هو يسعد أمك ..ألا تريدين إسعادها ..أتمنى لو كانت أمي بقربي ..حتما سأدعها تعبث بكل حياتي وكيفما شاءت..ولن أتذمر ..الحرمان صعب ..ومثل هذا الكم من المشاعر أحسدك عليه ..وأبغض تذمرك منه..
أحست كوثر بقساوة الكلام ..لكنها شعرت بحاجة لسماع المزيد حتى تفهم سر تذمرها..
رفعت هيام يدها ووضعتها على كتف كوثر قائلة :
– صديقتي ..أنت كبرت هو شعور يخالجك أنت..لكن مازلت في عيني أمك تلك الصغيرة التي تُشْعرها بأمومتها ..ولن تكبري في نظرها أبدا فنبع حنانها يلغي ذاك الشعور.
ابتسمت كوثر لكلام هيام ..أَيْ نعم طعمه مُرْ لكنه بلسم ..وقالت بثقة ّ:
– مرحبا بك بيننا ..أعدك أنني سأتعايش مع هذا الشعور النبيل من أمي بأكثر مصداقية ،هنا تدخلت ليلى في الحديث فبعثرت ما تم جَمْعُه..يكفي دراما ولنعد لجو المرح..من لديه نكته..
صمت الجميع ..فصاحت ليلى من جديد:
– أنا لديا ..اسمعنا يا بنات ..
انحرجت هيام ..ظنت أنها ثقيلة الظل في اللمة فإستأذنت بهدوء للمغادرة..فلعل لغة حديثها لا تروق لمثل هذا الجمع..لكن ليلى تدخلت فورا قائلة لها :
– لا ..أنت صديقتنا..وأنا معجبة بآرائك..ومن يدخل لمتنا لا يخرج..عليه التأقلم ..هذا قانون..إجلسي ..سأخبركم بما يزعجني وفعلاً أريد تفسيراً..
– أنا يا بنات يزورني المرح فقط وأنا بصحبتكن ففي البيت لا أكاد أبتسم حتى فشجار أمي وأبي هو كابوس يؤرقني ..لا أدري ما الحل ؟ كل ما أستطيع فعله هو أني أُخرج أخي الصغير كلما أحسست بأنهما سينفجران غيضاً من بعضهما ..أنا تعودت لكني أشفق لحال أخي الذي أُكثر من ضمه إلى صدري حتى أمتص ضغط لا أعرف حجمه داخل قلب أخي ..لذا أرجو أن لا تنزعجن من اندفاعي في الحديث فالأشياء الحزينة تربكني ..والمرح قناع ألبسه حتى اداري همومي..
اقترب كل البنات من ليلى وراحو يواسونها ..في حين هيام كان ردها جَبْرًا لخاطر ليلى قائلة :
– نصيحتي لكي يا ليلى ..دعي هَمَّ الكبار للكبار ..وعيشي أنت لتستطيعي منح أخيك ذاك الإحساس المفقود..سيأتي يوما يتعب فيه والداك..صحيح سيكون الأوان فات لكنهما سيفخران بليلى البنت المسؤولة إهتمت بأخيها في وقت ضيعاه هما في الشجار الدائم ..لا تدخلي دائرتهما وأرسمي دائرة لك مع أخيك ..عن حب ليس لأجل أن تحميه..كوني نور لا ينطفئ ولا تكوني شمعة تذوب لأجله..هو طوال عمره سيحتاجك ..لو كان لي أخ لفعلت ما تفعلين وأزيد .
ابتسمت ليلى بثقة وارتمت في أحضان هيام ..هنا قالت لها :
– لا تخجلي بحزنك ..وانزعي عنك قناع الوهم لست بحاجة إليه ..وكوني ليلى ..ليلى وفقط تعيش على أمل أن يصلح الله شأن والديها .هنا وقفت الفتيات بإنبهار ..وقمن بالتصفيق بحرارة لهيام..التي ظنا لوهلة أنها قوقعة فارغة ..فإذا بها موسوعة قيّمة .
شكرت هيام صديقاتها..وأخبرتهن أن ما يجمعهن هو آحاسيس يصعب تفسيرها إلا بمثل هذه اللمات ..
هن بنات بسيطات يعشن اليوم بيومه ..والحب يملأ قلوبهن الصغيرة وأحلامهن لا تتعدى حدود اللحظة التي يعشنها..هنا فقط و في هذة اللمة بالذات وجدت هيام ذاتها.