التحليق في فضاء الإبداع .. بقلم/ الزهرة العناق

 

في رحاب الفكر النير، لا يليق بالعقل أن يكون قابعا في أسر التكرار الأجوف، ولا ينبغي للروح أن ترضى بأن تكون ظلا شاحبا لغيرها. فمن رام العلو، فليصنع جناحيه، ومن ابتغى الخلود، فليقترن إبداعه بالتميز والتفرد. إن الله عزّ وجلّ قد منح الإنسان نعمة العقل، ووهبه القدرة على التفكر والتدبر، فكان لزاما على المرء أن يستثمر تلك الملكة في استنطاق آفاق لم تطأها أقدام المقلدين.

الإبداع هو سنة الله في خلقه.

لقد أبدع الخالق جلّ وعلا في تصوير هذا الكون، فجعل لكل شيء طابعه الخاص، فلم يكن خلق السماوات والأرض عبثا، بل جاء في أدق و أبهى صورة. قال تعالى: ﴿صنع الله الذي أتقن كل شيء﴾ صدق الله العظيم.

وإذا كان الإتقان سمة إلهية، فإن الاقتداء بها واجب على الإنسان، فيغدو إبداعه ضربا من التجديد لا نسخا ممجوجا.

وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أرقى مثال على التفرد والإبداع، فلم يكن مقلدا لأحد، بل جاء برسالة نسفت قيود الجمود و أحيت أمة من ركام التقليد. قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” . وهذا الحديث يحمل في طياته دعوة صريحة للإبداع و الإتقان، لا للوقوف على أنقاض ما تركه الآخرون.

كما أن إبداعات الصحابة كانت و ستظل دروسا خالدة في التفرد

عبر التاريخ الإسلامي، من الصحابة الذين كسروا قوالب النمطية، و سطروا نجاحاتهم بأساليب مبتكرة، لا بتكرار اجتهادات غيرهم.

★أبو بكر الصديق، لم يكن إيمانه تقليدا، بل كان عن قناعة راسخة، فسبق الناس إلى الإسلام، وكان أول من جمع القرآن في مصحف موحد، متجاوزا بذلك الفكر التقليدي الذي خشي من التغيير.

★عمر بن الخطاب، أحدث ثورة في الإدارة والسياسة، فكان أول من وضع الدواوين، و أسس البريد، وضبط أحوال الرعية بأنظمة لم تكن معهودة من قبل.

★خالد بن الوليد، ابتكر في الحروب خططا عسكرية لم يسبق إليها، فتفوق على أعتى الجيوش رغم قلة العدد والعدة، و استحق لقب سيف الله المسلول.

★زيد بن ثابت، لم يكتفِ بحفظ القرآن، بل تفوق في علم الفقه، وبرع في الترجمة، فكان أول من ترجم الرسائل بين المسلمين و الروم، وكأنه صنع جسرا فكريا بين الحضارات.

صناعة نجاحك عنوانك فلا تتردد

★كسر النمطية و لا تجعل فكرك رهين المسارات المألوفة، بل اجعل لكل فكرة بصمة خاصة بك، وامض حيث لا يجرؤ الآخرون على منافستك.

★التعلم المستمر، المعرفة ليست حكرا على الكتب، بل في التأمل والتجربة. انظر إلى العالم بعين الباحث عن الجديد، لا بعين المستنسخ و الناقل.

★ ركز على الجودة قبل الكم، ليس العبرة في كثرة الإنتاج، بل في الجودة العالية المنفردة، قال الحسن البصري: “ليس الفخر أن تقول، بل الفخر أن تبدع فيما تقول”.

★الإخلاص لله، الإبداع حين يقترن بالإخلاص، تتحول الأفكار إلى بصمات خالدة، ويصبح الأثر أعمق و أرسخ، لأن النية الصادقة تفتح أبواب التوفيق.

★حب العمل الذي تقوم به، يمنحك الطاقة و القوة للابتكار و التنويع.

خلاصة القول، التحليق في سماء الإبداع ليس محض ترف، بل هو رسالة وليس أي رسالة بل رسالة عظيمة. العصفور لا يولد بجناحين قويين، بل ينميهما بالتمرن و التجارب حتى يتمكن من التحليق، كذلك الإنسان، لا يولد مبدعا، بل يبني تميزه بالصبر و الإصرار و الابتكار و الممارسة. فكن أنت من يصنع جناحيه، ولا تكتفي بالسير على آثار من سبقوك لكن كن مستفيدا، فإن لم تكن متفردا، كنت تابعا، و التبعية ضريبة يدفعها من يرفض أن يكون نجما في سماء الفكر والتميز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى