بكاء الصمت .. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

هناك لحظات في الحياة تخنق فيها عروق البوح، و يفرض القيد على الأصوات، فتتحول الأرواح إلى معابد مهجورة، جدرانها الذكرى، و أبوابها الحسرة، و سقفها أنين لا يسمع إلا لمن مس روحه وجع لا يندمل 

الصمت ليس نقصا أو عيبا، بل قد يكون صرخة مكبلة بحبال العجز، وقد يكون نداء عابر.

إننا نعيش لحظات الانكسار لا نعجز عن الحديث، ولكننا نختار أن ندفن الكلمات كي لا تتحول إلى خناجر تعود لتطعن صدورنا. فكم من ألم أرهقه الصراخ فلم يجد منفدا للهروب إلا في سكون يغني عن ألف قصيدة!

حين يبكي الصمت، فإن الدموع لا تسيل على الخدود، بل تنسكب في أعماق الروح كحمم تلتهم أركان القلب، تخلف وراءها أطلال أحلام لم تولد، و ذكريات لم يكتب لها أن تعاش. هناك في أعماق هذا الصمت القاتل، تتكلم نظرات فقدت بريقها، و ترتعش أنامل لم يعد لها وطن تمسك به، و يهيم صدر لم يعد يعرف للراحة طريقا.

هل جربت يوما أن تبتلع وجعك حتى لا يراه من يحبك؟

هل جربت أن تخفي في داخلك عاصفة كي لا تهدم بها من يستظل بك؟

هل جربت أن تبتسم و قلبك يحترق في صمت مريب؟

إن كنت قد مررت بذلك، فاعلم أنك قد رأيت كيف يبكي الصمت، وكيف تتكلم الأرواح بلغة لا يسمعها إلا من ذاق نفس مرارتها.

بكاء الصمت هو مرآة القلوب التي أرهقها النقاء في عالم لا يفقه إلا القسوة، هو وطن المشاعر التي لم تجد لها مستقرا، وهو آخر ما تبقى للقلوب الكبيرة حين تفيض بها الأحزان فلا تجد صدرا يأويها.

لكن، هل من خلاص لهذا البكاء الصامت؟

هل من طوق نجاة ينقذ الأرواح من الغرق في محيط الخذلان؟

لعل الجواب يكمن في كلمة واحدة: البوح.

البوح ليس ضعفا، وليس استجداء لرحمة أحد، بل هو نافذة تفتح كي لا تختنق الروح داخل أسوار كتمانها.

ابحث عن كتف صادق يسندك، عن قلب يسمع قبل أن يجيب، عن يد تمسك بك حين تتعثر، ولا تخف أن تكسر حاجز الصمت قبل أن يكسرك.

لأن الذين يموتون من الألم بصمت، لا يشيعون بالدموع، بل يرحلون في صمت يشبه رحيل الريح في ليلة خالية من النجوم…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى