كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد، إياكم أيها الأخوة الكرام من أذي الجار واعلموا إن من أضرار الأذي الذي يلحق بالجار هو تشغيل المذياع أو التلفاز بصوت عالي بجواره، وهذا مما يؤذي الجار، فلا يستطيع المتعب أن يرتاح، ولا المريض أن يهنأ بمنام، ولا الطالب أن يستذكر دروسه، فرفع الصوت مخالف لتعاليم الإسلام، حتى ولو كان بالقرآن، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال “اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال.
” ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ” رواه أبو داود، فإذا كان رفع الصوت ممنوع حتى ولو بالقرآن، فما نقول إذا كان رفع الصوت بمزامير الشيطان التي تؤذي الجيران، ونسأل الله الهداية لأهل العصيان، وكما أن من أضرار الأذي الذي يلحق بالجار هو أن يغلق بابه دون جاره، ويمنعه فضله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ” كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول يا رب، سل هذا لم أغلق عني بابه ومنعني فضله؟” وإن كان الحديث ضعيفا، لكن ما مر بنا يشهد لمعناه، فهناك من يمنع فضله عن جاره فيبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم، وهناك من يلبس أجمل الثياب، ويضع أفضل الطيب، وبجواره جاره الذي ليس عليه رداء يكتسي به من برد الشتاء.
وهناك من يدخل بألوان الفاكهة على أهل بيته، وأولاد جاره الفقراء ينظرون إليه دون أن يعطيهم، فكل هذا من إيذاء الجار، وصدق ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال “لقد أتى علينا زمان، وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم” وكما أن من أضرار الأذي الذي يلحق بالجار هو أن يزرع شجرة أو نخلة بجوار جداره، ثم يسقيها بالماء، فيتضرَّر الجدار بذلك، وأن يبني جدارا دون إذنه يحجب عنه الشمس، ويمنع عنه الهواء، وأن يفرح وجاره مهموم، فهناك من يقيم الأفراح والليالي الملاح، والبيت الذي بجواره مات فيه إنسان، وكذلك نشر الملابس دون عصرها، فيتساقط الماء على ملابس الجار الذي يسكن تحته، أو إلقاء القمامة والكناسة حول داره وأمام بابه، أو التضييق عليه عند الدخول أو الخروج.
أو الدق في وقت الليل، أو عدم نصرته إذا كان مظلوما، أو عدم إغاثته إذا كان ملهوفا، أو إفشاء سره، وغير ذلك من صور الإيذاء، وإن من الاذي الذي عم في هذه الأيام بين الجيران هو إنتشار النزعة السلبية وعدم مشاركة أغلبية الجيران في البلدان في مناسباتهم تحت مبرر إنعدام الوقت وكثرة الأشغال، أو بسبب موقف سلبي من بعض الجيران، أو الإمتناع عن أداء المستحقات من واجبات الإنخراط، وعموما كل ذلك هو بسبب اللامبالاة وعدم المعرفة بحقوق الجار، وكذلك غياب الشعور بالإنتماء، ففي الماضي كان الناس يتفاخرون بأنهم من الحي الفلاني، بل يتعصبون في بعض الحالات لهذا الإنتماء.