كلمة صغيرة لكنها بإتساع الكون.. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيما وثناء، المتصف بصفات الكمال عزة وكبرياء، المستحق للحمد والثناء، يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، نحمده سبحانه وأشكره ونتوب إليه وأستغفره، أفاض علينا من جزيل آلائه أمنا وإيمانا، وأسبغ علينا من كريم ألطافه منّا وإحسانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عزّ ربّا رحيما رحمانا وجلّ إلها كريما منانا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله بعثه للعالمين رحمة وأمانا وأنار به الطريق سنّة وقرآنا وهدى وفرقانا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد إن كلمة الوطن هى كلمة صغيرة لكنها بإتساع الكون، ومجرد أن يذكر الإنسان هذا المكان الذى ينتمي إليه بكل ما فيه تتأجج المشاعر ويصبح القلب ممتلئا بكل ما هو جميل.

فالجميع يتمسك به لأنه الأساس الذي يقوم عليه كرامة الشخص وكيانه، وحب الوطن هوالحب الحقيقي لأنه حب فطري ينبع من أعماق القلب ولا يمكن صده أبدا، لأنه الكيان الذي تنتمي إليه جميع الكائنات، ودون وجوده يشعر الإنسان بالضياع والتشرد، والانتماء للوطن يأتي دون أى تخطيط، لأن الشخص يشعر أن اكتماله لا يكون إلا في وطنه، وبدونه يشعر بالنقص وعدم الاستقرار، فالإنسان مجرد أن يفتح عينيه ويولد، تقع عيناه على سماء بلاده، ويبدأ بتنفس الهواء فيه فيستوطن حبه في القلب إلى الأبد، وعلى الرغم من أن البعض يعد الوطن مجموعة من الأنظمة والقوانين التي يجب الخصوع لها، إلا أن فكرة وجود بلاد ينتمي إليها الإنسان فهي أعظم من جميع المسميات، فهو مصدر الأمن والأمان، والمكان الذي يحصل فيه الإنسان على حقوقه ويؤدي واجباته بصدر رحب.

وهذا ما يفسر الاستماتة في الدفاع عن حدود أوطانهم، وعدم السماح لأى أحد بأن يسبب له الضرر، وليس غريبا أبدا أن تقام حروب كبيرة لأجل الدفاع عن حرية الوطن، لأن كرامة الإنسان تكون في وطنه وعلى أرضه، وحبه لا يقتصر على الإنسان فقط، بل إن جميع الكائنات من حيوانات وطيور تحب أوطانها، فالطيور مهما هاجرت لا بد وأن تعود إلى حيث ولدت ونشأت، وحب الوطن ليس مجرد كلمات رنانة يقولها الشعراء والأدباء، بل هو حب بالأفعال والدفاع عن كيانه ووجوده، والشعور بأن أمنه جزء من الأمن النفسي والشخصي، لهذا فإن حب الوطن يظهر في تصرفات أبنائه وخوفهم عليه وحمايته من أي تدمير محتمل، واستعدادهم للدفاع عنه باستماتة ضد جميع المتربصين، ويكون هذا بالتضحية بالروح مقابل أن تظل راياته خفاقة عالية تلوح في الأفق.

وحبه يكون بالسعي لتطويره وتقدمه، ويكون هذا السعي للعلم وطلبه بجد واجتهاد، والاختراعات والاكتشافات التي يقوم بها أبناء الوطن لرفعته ونصرته ووضع اسمه في المقدمة، ويكون حب الوطن بالحفاظ على مقدراته وآثاره وتاريخه، وعدم التسبب بأي إيذاء لأي شيء فيه، فالحفاظ على ثرواته يضمن أن يظل واقفا في وجه أى اعتداء خارجي، وحبه أيضا يكون بالأمانة فى العمل، وحمايته من أي فساد داخلي في المجتمعات، وعدم احتكار أي معلومة من الممكن أن تفيده أو أي من أبنائه، ولا يشعر بقيمة الأوطان إلا من عاش في غربة بعيدا عنه، فالوطن هو الأهل والأصدقاء والجيران، وهو المكان الذي تبدأ فيه الذكريات من سن الطفولة إلى سن الشباب وحتى الشيخوخة، ويشعر كل من ينتمي إليه بالرغبة في أن يدفن فى ترابه، حتى لا يغادره أبدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى