عبير الزلفي تكتب حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي: حق مطلق أم مسؤولية مقيدة

حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي: حق مطلق أم مسؤولية مقيدة؟
بقلم الكاتبة والأديبه: عبير الزلفي
تُعد حرية التعبير واحدة من أهم الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، إذ تُمكِّن الإنسان من التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية دون خوف أو قيد. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت هذه الحرية من نطاق محدود إلى فضاء عالمي مفتوح، حيث يستطيع أي شخص إيصال صوته وأفكاره إلى الملايين بضغطة زر. غير أن هذا الانفتاح الهائل يطرح تساؤلات ملحّة: هل يجب أن تكون حرية التعبير على هذه المنصات مطلقة؟ أم ينبغي وضع حدود لها لحماية الأفراد والمجتمعات من الإساءة والفوضى؟
أهمية حرية التعبير
لا يمكن إنكار الدور الحيوي الذي تؤديه حرية التعبير في تنمية المجتمعات وتعزيز الحريات الفردية. فقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تمكين فئات عديدة من التعبير عن قضاياها وهمومها، وكشفت العديد من حالات الفساد والظلم التي كانت تغيب عن الإعلام التقليدي. كما أتاحت هذه الوسائل فضاءً واسعًا لتبادل الثقافات والآراء، مما عزز من وعي المجتمعات وفتح الأبواب أمام حوارات بنّاءة في شتى القضايا السياسية والاجتماعية والدينية
مخاطر حرية التعبير غير المنضبطة
رغم هذه الإيجابيات، فإن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل مخاطر حقيقية، خاصة في حال غياب الضوابط. فقد تحولت بعض المنصات إلى ساحات لنشر خطاب الكراهية، والتحريض على العنف، والتعدي على حريات وحقوق الآخرين. كما أدى انتشار الشائعات والمعلومات المضللة إلى تهديد الأمن المجتمعي، وإثارة البلبلة، والإضرار بسمعة الأشخاص والمؤسسات دون محاسبة. ويعاني الكثير من الأفراد من التنمّر الإلكتروني، والاعتداءات اللفظية، وانتهاك الخصوصية نتيجة غياب رقابة فعّالة على المحتوى المنشور
حدود حرية التعبير في وسائل التواصل
في مواجهة هذه التحديات، برزت الحاجة إلى وضع ضوابط قانونية وأخلاقية تنظّم ممارسة حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي. وتشمل هذه الضوابط منع التحريض على العنف والكراهية بكافة أشكاله، وتجريم نشر الأخبار الكاذبة والمضللة التي تهدد استقرار المجتمعات. كما يتعين حماية الخصوصية الشخصية للأفراد، ومنع التشهير والإساءة عبر المنصات الرقمية. وتعمل العديد من الدول والمنصات حاليًا على تطوير سياسات واضحة لمراقبة المحتوى وضمان توافقه مع القوانين المحلية والمعايير الأخلاقية
الجدل بين المطلق والمقيّد
ومع ذلك، لا يزال الجدل قائمًا بين من يدافع عن حرية التعبير المطلقة كحق إنساني أساسي لا يجوز المساس به، وبين من يرى أن هذا الحق يجب أن يُمارَس بمسؤولية وفي إطار ضوابط قانونية وأخلاقية. يرى الفريق الأول أن أي تقييد لهذا الحق قد يتحول إلى وسيلة لقمع المعارضين وتكميم الأفواه، بينما يؤكد الفريق الآخر أن الحرية المطلقة قد تؤدي إلى الفوضى وانهيار القيم المجتمعية، ما لم تكن مقترنة بالمسؤولية والاحترام المتبادل
في النهاية، يتضح أن حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي تمثل سيفًا ذا حدين؛ فهي من جهة تُعزز من الحريات وتُسهم في كشف الحقائق، ومن جهة أخرى قد تتحول إلى أداة مؤذية ما لم تُمارَس في إطار من المسؤولية. لذا، من الضروري تحقيق توازن حكيم بين حماية هذا الحق وضمان عدم الإضرار بالآخرين أو تهديد الأمن المجتمعي. ولا يقتصر الأمر على القوانين وحدها، بل يتطلب كذلك وعيًا مجتمعيًا ورقابة ذاتية من الأفراد أنفسهم، حتى تظل حرية التعبير أداة لبناء المجتمعات لا لهدمها