امرأة رفضت شرف الدنيا رغبة في شرف الآخرة .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، فعن شريح بن هانىء قال سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت “ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني” وفي رواية ” فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم” فأتيت عليا، رواه مسلم، فهذه والله أخلاق العلماء، فهي أخلاق من تعرف حرمة الدين وتقديم مصلحة الإسلام والمسلمين، وكلامها دليل على أنها ما تكلمت بكلمة في الدين إلا وهي عالمة بها بل وربما كانت أعلم الناس بها، فأي أمانة أعظم من هذه؟ 

وتأمل كيف عرفت للإمام علي رضي الله عنه قدره وأثنت الإمام علي بما هو أهله، فكانت تعلم ولم تجد غضاضة في أن تحيل السائل على الأعلم، فهل مثل هذه تكذب أو تدلس أو تخون أو تزور؟ فإنه لاعجب إذن أن يناصبها الكذبة والخونة والمزورون من الرافضة العداء، فمتى إجتمع الضدان ؟ وكيف يتلاقى النقيضان؟ فهذه صورة ناصعة باهرة من الإخلاص والتجرد والأمانة والورع تسطرها أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، بمداد من نور على صحائف من ذهب في ذاكرة التاريخ الذي بقيت سيرتها محفورة في ذاكرته في مصاف عظمائه وأفصح عن فساد وضلال مبغضيها فأهوى بهم إلى مزبلته، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن ضرتها ” ولم أري امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأشد إبتذالا لنفسها. 

في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ” رواه مسلم، فإنها تتحدث عن السيدة زينب رضي الله عنها وتمتدحها كما لو كانت تمتدح نفسها بل والله لو إمتدحت نفسها لما قالت مثل هذا الكلام، فلم يمنعها أبدا ما يكون بين الضرائر مما لا تحكم للمرأة فيه من أن تعطي أمنا زينب رضي الله عنها حقها وتثني عليها بماهي أهله، وكذلك فعلت مع عامة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بل مع عامة المسلمين، فما ظلمت أحدا أبدا وماغمطته حقه ولو ممن يناصبونها العداء، والله لا تظلم ولا تكذب من هذا شأنها أبدا، وما تستأهل أن تظلم أو يساء إليها أبدا، فقد عرف الجميع مكانتها إلا عمي الأبصار والقلوب من الروافض، فقالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين “ادفعني مع صواحبي تقصد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا تدفعني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت فإني أكره أن أزكي أي أن يثني على أحد بما ليس في” رواه البخاري، وعن ابن أبي مليكة قال “استأذن ابن عباس رضي الله عنهما قبل موتها على عائشة وهي مغلوبة من شدة كرب الموت قالت أخشى أن يثنى علي، ودخل ابن الزبير خلفه فقالت دخل ابن عباس فأثنى علي ووددت أن أكون نسيا منسيا” رواه البخاري، فيا أم المؤمنين رضي الله عنكي فإن غيرك يتطلع إلى المدح والثناء وليس له أهل، وأنت تهربين من المدح والثناء عليكي بما فيكي وتضيقين زرعا به، فأي طراز من البشر أنتي؟ فمثلك حقا تستأهل ما حظيت به من مكانة سامية مرموقة رضي الله عنكي، فهي امرأة يكون بيدها الشرف والتبجيل والفخار أبدا، وترفض شرف الدنيا رغبة في شرف الآخرة وتترك ماعند الناس تطلعا إلى ماعند الناس، فلم تبالي يوما بالناس وإنما برب الناس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى