الدكـــروري يكتب: النداءات في كتاب الله

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب، وأتم نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب، أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب، وأنزل من السماء ماء، فمنه شجر، ومنه شراب، جعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولو الألباب، نحمده تبارك وتعالى على المسببات والأسباب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من المؤاخذة والعتاب، ونسأله السلامة من العذاب وسوء الحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب، الملك فوق كل الملوك ورب الأرباب، الحكم العدل يوم يُكشف عن ساق وتوضع الأنساب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب، خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب، فمن عمل صالحا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب، ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المستغفِر التواب، المعصوم صلى الله عليه وسلم في الشيبة والشباب، خُلقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب، قدوة الأمم، وقمة الهمم، ودرة المقربين والأحباب، عُرضت عليه الدنيا بكنوزها، فكان بلاغه منها كزاد الركاب، ركب البعير، ونام على الحصير، وخصف نعله ورتق الثياب، أضاء الدنيا بسنته، وأنقذ الأمة بشفاعته، وملأ للمؤمنين براحته من حوضه الأكواب، فاللهم صلي وسلِّم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب، ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب، وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب أما بعد يرد في القرآن الكريم نداءات مثل ياأيها الناس ويا بني آدم ويا أيها الذين آمنوا فما هو القصد من هذا التعدد في النداء؟ فالإجابه أنه جاء في كتب التفسير وعلوم القرآن أن النداء القرآني، بيا أيها الناس.
ويا بني آدم يرد غالبا في السور المكية، معناها هو القرآن الذي نزل في مكة المكرمة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأن النداء بيا أيها الذين آمنوا يرد غالبا في القرآن المدني أي بمعني القرآن الذي نزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، بالمدينة المنورة، وجعلوا ذلك من مميزات القرآن المدني عن القرآن المكي، فقبل إستقرار أهل الإيمان بالمدينة وتميزهم بكيان خاص بهم وقيام دولتهم كان النداء للجميع بصيغة العموم، وبعد ذلك أصبح النداء لهم بهذه الصفة الخاصة بهم، وهي أشرف صفاتهم وأبرزها وهي التي تميزهم عن غيرهم، وغالبا ما تأتي بعدها الأحكام الشرعية التي تنظم أحوال المجتمع المسلم، وهذا في أغلب الأحوال كما أشرنا لأن الإستقرار والتتبع لسور القرآن وآياته يدل على أن بعض السور المدنية ربما يرد فيها النداء بيا أيها الناس كما في سورة البقرة وسورة النساء.
وهذه النداءات معاشر المستمعين والمستمعات هي تسعون نداء، والمنادي هو الله رب العالمين، والمنادى هم المؤمنون والمؤمنات من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد غفل المؤمنون والمؤمنات عن هذه النداءات، فلم يعرفوا منها شيئا، مع العلم أنهم منادون من قبل سيدهم ومولاهم ومربيهم ومعبودهم الحق، وكان المفروض أن يعلم هذه النداءات كل مؤمن ومؤمنة، ويحفظوها عن ظهر قلب، ويفهموا مراد الله منها، وما هو المطلوب لذلك، ويعملون به، وهكذا نصبح أولياء الله، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ونصبح من خيرة عباد الله، ولكن صُرف المؤمنون والمؤمنات عن كتاب الله، وحولوا قراءته على الموتى ليالي المآتم وفي المقابر، فهيا نعود ونحن إن شاء الله عائدون، وهذه التسعون نداء يجب أن يطبعها أهل البلد أو المدينة أو الإقليم بمطابع جيدة
ويوزعونها على المؤمنين والمؤمنات، ويجلس أحدهم كل مساء من كل يوم بين المغرب والعشاء يدرسها، ويصغي إليها المؤمنون والمؤمنات، ويستمعون إليها ويدرسونها دراسة وافية، ويفهمون كل مراد الله منها، ويعملون ويطبقون، فيصبحون أولياء لله، الذين لا خوف عليهم في الدنيا ولا حزن، ولا في البرزخ، ولا في الآخرة، والله المستعان.