“اقْتُلُوا يُوسُف” شيرين شيحة

“اقْتُلُوا يُوسُف”
شيرين شيحة
“اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا…”
هكذا نطقت الغيرة حين أُغلق باب الحكمة، وتكلم الحسد حين سكت العقل.
لم يكن يوسف خصمًا، بل مرآةً عكست لهم ما تصوروه : أن محبة الأب لم تُقسّم بالتساوي، بل مال بها القلب إلى من رأى فيه نورًا لم يعرفوه في ذواتهم.
أرادوا أن “يخلُ لهم وجه أبيهم”
أي أن يتفرغ لهم قلب الأب ومحبته دون منازع..
لكنهم لم يسألوا:
هل كانت محبته ناقصة أصلا ؟
وهل إزاحة يوسف من المشهد سيزيدها؟
أم أن وجود يوسف كان نوراً لا يطفئ ضوء أحد، بل يزيده وضوحًا ويعطي أباهم معنى للحياة ؟
ولو أنهم لم تعمهم أطماعهم وأحقادهم على أخيهم
ولو علم أبوهم فيهم خيرا له لاصطفاهم دون حاجة للتخلص منه و لما حذره منهم :” “قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”
وبعد كل هذا هل خلا لهم وجه أبيهم ؟
يا للمفارقة..
حين ألقوا بأخيهم في غياهب الجب، لم يخلُ لهم وجه أبيهم، بل غاب عنهم وجهه الذي عرفوه، غطّاه الحزن، وطمسه الأسى، حتى أظلمت عيناه فلم يرَهم، ولم يعودوا يرونه كما كانوا.
لقد أرادوا أن يربحوا قلب أبيهم بالخلاص من ساكنه،
فآذوا القلب ، وأحزنو الأب وأساؤوا إلى أنفسهم، وفقدوا أخاهم،
وضاعوا في متاهة لم تبدأ من الجب، بل بدأت من داخلهم.
ولو أبصرت قلوبهم أو عقولهم ساعتها لعلموا أن الأب الذي لا يحب الظلم، ولا يطمئن لمن خان
لن يُقبل على من فرّط في دم أخيه ثم ادّعى الطهارة بعده.
لو تفكّروا قليلا لأنصفوا أنفسهم ،ولعلموا أن وجود يوسف بينهم أمان لهم بسلامة أبيهم لا تهديدًا لوجودهم.
لقد قتلوا يوسف في عين أبيهم مرة،
لكنهم قتلوا ثقته فيهم في قلبه ألف مرة،
وسكنت المسافة بينهم وبين أبيهم لا بين الأماكن، بل بين الأرواح..
فما أغبى القلب حين يستسلم لعماه!
وما أظلم العقل حين يبرر الفعلة بغاية يلبسها لباس النبل ،ويتخذ لتحقيقها وسيلة منحرفة تبررها الغاية!
ثم يغطي ذلك كله بغطاء الفضيلة: “وتكونوا من بعده قومًا صالحين”..
كأن الخلاص من الأخ هو باب السعادة ثم ياتي الصلاح!
العقل رزق صدَقَته التفكر والاعتبار،
والذين لا يعتبرون، يعيدون القصة نفسها بتفاصيلها..
يعيدون ظلم يوسف… وحزن يعقوب..
فهل نعتبر؟
#شيرين_شيحه