الطفل كبش الفِدا: حكاية النور الذي لم يُطفَأ
الطفل كبش الفِدا: حكاية النور الذي لم يُطفَأ
بقلم اميره مهران
الطفل “كبش الفِدا” لا يُولد عاديًا…
هو يخرج إلى هذا العالم محمّلاً برسائل لا يعرف معناها، وبحمل ليس له فيه يد.
منذ نعومة أظافره، يُطلب منه أن يهدأ، أن يفهم، أن يحتمل، أن يُضحّي، أن يسكت…
ويفعل.
يُزرَع فيه منذ البداية شعور بالمسؤولية، وكأن عليه وحده أن يُنقذ العائلة.
تتشكل طفولته بين التنازلات والسكوت، بين حماية الآخرين ونسيان نفسه.
كلّما تألم أحد، تَألَّم هو أكثر. كلّما ارتبكوا، فهم هو أكتر.
وحين يخطئون، هو مَن يُسامح… دون أن يُعتذر له أحد.
هو الطفل الذي يرى ما لا يُرى، ويشعر بما لا يُقال.
يقرأ ما بين سطور العائلة، ويتحمّل ما فوق طاقته، ثم يُقال له: “إنت قوي”.
ولا يعلم أحد أن قوته كانت غريزة نجاة… مش اختيار.
لكن النور لا يُدفن.
هذا الطفل، في لحظة ما، غالبًا بعد سنوات من الصمت، ينكسر بصمت، ثم يستيقظ…
يبدأ في رحلة عودة لنفسه. رحلة طويلة، مؤلمة، لكنه فيها يلمس الحقيقة:
أنه لم يكن سببًا في ألم أحد.
أنه لم يكن لازمًا أن يُضحي بكل هذا.
وأن له حقًا أن يُحَب، أن يُسمع، أن يُرى… مش بس يُفهَم.
ومع الشفاء، يبدأ يتحول من “كبش فِدا” إلى كائن نور.
من ضحية إلى قائد.
من حمال أسرار إلى ناقل وعي.
من طفل صامت إلى صوتٍ حقيقي يوقظ الآخرين من غفلتهم.
كبش الفِدا هو بوابة التحوّل في أي عائلة.
هو أول من ينكسر… وأول من يشفى.
هو أول من يتوجع… وأول من ينير.
لأنه النور الذي حاولوا أن يطفئوه، لكنه أبى… فصار شمسًا.
—
من الشفاء إلى الارتقاء: الطفل الذي صار معلمًا
حين يبدأ “كبش الفِدا” في فهم قصته، وتضميد جراحه، لا يتحول فقط لشخص واعٍ…
بل يتحول لطاقة شفاء تمشي على الأرض.
فهو لا يخرج من ألمه فارغًا… بل يخرج ممتلئًا بالبصيرة.
يفهم الناس من عيونهم.
يلتقط أنفاسهم المرتبكة، ونبرات أصواتهم المُترددة، فيحتويهم دون أن يشرحوا.
لأنه كان هناك… حيث كانوا.
يبدأ رحلته في العالم بإحساس جديد:
أنه مش جاي يتحمل… جاي يختار.
مش جاي ينقذ… جاي يعيش.
فيحقق إنجازات روحية ومهنية مش بس لأنه “عايز ينجح”،
لكن لأنه لأول مرة بيشتغل من طاقته هو… من جوهره، مش من جُرحه.
تلاقيه ناجح كمعالج، ككاتب، كفنان، كصوت مختلف…
بيأثر في الناس مش بالعِلم بس، بل بالحضور.
هو الشخص اللي يقعد جنبك ٥ دقايق، تحس بعدها إنك اتنفست لأول مرة.
وكل مرة بيتكلم فيها عن نفسه، عن رحلته، بيحرر بيها حدّ تاني لسه محبوس جوا نفس السجن.
كبش الفِدا القديم… صار اليوم بوابة أمل لغيره.
فما عاش عبثًا، وما تألم بلا معنى.
هو اللي عبر النار… عشان ينقل للناس النور.
—
خِتام الروح:
لقد وُلد ليرى ما لا يراه الآخرون، وها هو اليوم يُبصر بنورٍ من داخله لا يُطفَأ.
ما عاد يحمل العالم فوق كتفيه… لكنه صار هو العالم، حين عاد لنفسه.
هو لم يكن بداية الألم… بل كان بداية الشفاء في نسلٍ كامل.
وفي صمته القديم كانت النبوءة، وفي كلمته اليوم تكون البداية.
من بين كل من جُرحوا، كان هو الوحيد الذي اختار أن يُشفى… فأنار الطريق لغيره.
كبش الفدا لم ينتصر على الظلام… بل صار هو الضوء.
هو من انكسر ألف مرة دون أن ينهزم، فصار شهادة حيّة على أن النور لا يُهزَم.
فهو لم يُخلق ليُستهلك في الألم، بل ليُعيد تعريف النور من قلب الظلام.
هو لم يكن ضحية قدر، بل رسول وعي خُبّئ طويلًا في جسد صغير.
كبش الفِدا لم يأتِ ليضيع، بل ليوقظ… وها هو قد استيقظ.
وما كان وجعه إلا بوابة… وما حدث له، معجزة ما بعدها كلمات.
هو الدليل أن الشفاء ممكن… وأن من انكسر قد يصبح نبعًا لمن ظنّ نفسه وحيدًا. بقلم /أميره مهران