الطبقية المتطرفة بقلم شيرين شيحه
(الطبقية المتطرفة)
شيرين شيحه
لم تستطع الطائفية أن تحدث انفصالا أو صدعًا في جدار التعايش بين فئات الشعب المصري على مر تاريخه،
فقد ظل المصريون شعبا واحداً تجمعه الهوية التاريخية والجغرافية
رغم اختلاف الانتماءات الدينية، والثقافية، وأحيانا الأيديولوجية (إسلامي ، علماني ، ليبرالي…)
وحدها الطبقية “المتطرفة” أراها تفعل ذلك اليوم.. أراها قد فرّقت المصريين أكثر مما قد تفعله الطائفية..
لأنها قسمتهم في كل شيء:
في التعليم:مدارس دولية ومدارس يعاني فيها الطلاب..
في الصحة: مستشفيات بضعة نجوم ومستشفيات لا تصلح لعلاج الدواب..
في السكن :كمبوندات وبوابات حديدية وعشوائيات بلا صرف..
في المظهر، واللغة، والأكل، وحتى في الحلم!
لقد صرنا شعبين مختلفين في خريطة واحدة؛
فهناك من يعيش في “مصر”
وهناك من يسكن “إيچيبت”
وشتّان ما بين السكنَين، والفاتورة التي يدفعها كل منهما ماديًا ومعنويًا..
في “مصر” دخل الموظف غالبا لا يكفيه بشكل متوازن حتى نهاية الشهر،
أما في “إيچيبت” فالكافيهات قد لا تضع أسعارا على قوائم الطعام، ليس لأنها رخيصة، بل لأن من يسأل عن السعر لا يجلس هنا..
في “مصر”، المواطن يعاني من كل شيء: من الطابور، ومن الفواتير، ومن ضيق العيش، ومن ارتفاع تكلفة الرعاية الطبية، ومن أملٍ لا يأتي..
وفي “إيچيبت” المواطن يعاني من زحمة الساحل، ومن تأخر الشيف، ومن انقطاع الإنترنت في الفِلل الذكية..
وكلاهما يُسمى : “مصريًا”..
المشكلة ليست في طبقية الغنى والفقر ؛ فعلى طول الزمان وامتداد المكان قسم الأرزاق خالقُها فأوجد الغني والفقير لحكمة عليا..
المشكلة أنه أصبح هناك من لا يشعر أن الفقير “منه”،،
وأن هناك فقيرًا أقنعه اليأس أو أقنعه ما يراه حوله ان هذا الوطن لا يخصه..
لأنه وطن من يملك ومن يستطيع دفع فاتورة الحياة فيه بشكل لائق..
الطبقية قضت على “التشارك” في الحلم والمصير..
والخطر
ليس في وجود فوارق بين الطبقات،
بل في أن تُصبح هذه الفوارق أساسًا للانقسام وشقوقاً في جدار الانتماء الوطني بدلاً من أن تكون تنوعًا داخل وحدة.
لم تعد المشكلة في “الغني والفقير”، بل في تلك المسافة التي لا تُقاس بالمال، بل بالقدرة على الإحتمال.
إن” العدالة في الوطن” ليست أن يتساوى ساكنوه في كل شيء
“العدالة في الوطن ” أن يتسع الوطن للجميع
لا أن يدلل فئة ويضغط على أخرى..
إن الإحباط واليأس قد يفعلان في الشعوب ما لايستطيع محتل أو مستعمر أو عدو أن يفعله بالأسلحة..
إنه يُفقده” الإنتماء” للأرض والتاريخ والهوية.
نعم الفقر ليس عيبًا ولكن العيب ان يُهان الإنسان في وطنه لأنه فقير..
والغنى ليس ذنبا ،ولكنه يكون كذلك عندما يُفسد إنسانية القلب ويُنسينا الآخرين..
الوطن يا أعزائي ليس ما نملكه.. الوطن ما نتشاركه.
أرجو أن نتدارك الهوة قبل أن تصبح “هاوية”.
#شيرين_شيحه