السلطان الأشرف يتولي حكم البلاد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وكما ذكرت المصادر الكثير عن السلطان برقوق، وقد ذكرت المصادر التاريخية أن السلطان برقوق مات سنة ثماني مائة وواحد من الهجرة، قبل الشروع في حرب المغول، وترك ذلك لإبنه الناصر فرج، وقد خرج السلطان فرج إلى الشام سنة ثماني مائة وثلاثة من الهجرة، لمحاربة تيمورلنك الذي كان قد عاد وخرب حلب وزحف على دمشق، فوقع بين الجيشين بعض مناوشات بالقرب من دمشق كان الغلب فيها للمماليك، فطلب تيمورلنك من السُلطان الصُلح فأجابه إليه، وبينما هُم يتفاوضون أثار مماليك السلطان فتنة في المعسكر.

وتسللوا منه راجعين إلى مصر بغرض عزل السلطان وإقامة غيره كما قيل، فخشي السلطان على منصبه وعلى حياته، وإضطر أن يعود مع بقية مماليكه مسرعا إلى القاهرة، وترك دمشق يدافع عنها أهلها، فدخلها تيمورلنك وفعل الفظائع بالناس كما فعل بحلب من قبل، وبعد ذلك بفترة قصيرة هزم السلطان العثماني بايزيد بن مراد أمام جحافل المغول في أنقرة، وعندما سمع السلطان فرج بأخبار هذه الهزيمة رضخ للشروط التي تقدم بها تيمورلنك، فأطلق سراح من كان لديه من أسرى، ورضي أن يسك العملة باسم تيمور، لكن الأخير لم يلبث أن مات سنة ثماني مائة وثمانية من الهجرة، دون أن يتحقق حلمه في ضم مصر إلى ممالكه، أما السلطان فرج فقد خسر مكانته في نفوس المعاصرين نتيجة رضوحه لطلبات المغول وتقاعسه عن نجدة دمشق، فخلعه المماليك سنة ثماني مائة وثمانية من الهجرة.

وولُّوا أخاه، ثم إستطاع أن يعود إلى المُلك فخرج في عدة غزوات إلى الشام، لتوطيد سلطته، وإخضاع الثائرين من الأمراء، لكن سوء خُلقه وقلة تدينه وتنكيله بمماليك أبيه وإستغلاله منصبه جعلت الخليفة والعلماء يفتون بضرورة قتله، فاغتيل بدمشق سنة ثماني مائة وخمسة عشر من الهجرة، وبعد مقتل الناصر فرج بن برقوق، عُهد بالسلطنة إلى الخليفة العباسي أبو الفضل العباس المستعين بالله، ريثما تنجلي الأمور وينتخب المماليك أحد أُمرائهم سلطانا وبعد مضيّ خمسة شهور فاز الأمير شيخ المحمودي في حلبة المنافسة بينه وبين أمير آخر يدعى نوروز، فتولى منصب السلطنة بعد أن تلقب بلقب المؤيد، وساءت حالة الناس في عهد المؤيد شيخ نتيجة عدم قدرته السيطرة على مماليكه، مما سبب أضرارا جسيمة للأهالي الآمنين، وقد خلف المؤيد شيخ ابنه أحمد سنة ثماني مائة وخمس وعشرون من الهجرة.

تحت وصاية الأمير ططر، ولم يلبث بعد أشهر أن تولى ططر نفسه السلطنة لفترة قصيرة، فخلفه ابنه محمد الذي لبث في الحكم عدة أشهر تحت وصاية الأمير برسباي، وفي سنة ثماني مائة وخمس وعشرين من الهجرة، إنتزع برسباي السلطنة لنفسه وتلقب بالسلطان الأشرف، قاسى الناس كثيرا خلال سلطنة برسباي التي إمتدت حوالي ستة عشر عاما بعد أن أثقل كاهلهم بالضرائب الباهظة، وشاعت أنواع الإحتكار في التجارة، إلا أنه لشدة بأس هذا السلطان لم تحدث في البلاد فتن في عهده، وقد كان في عهده فتح قبرص، حيث صمم السلطان على القضاء على شوكة الصليبيين في قبرص فأرسل حملة للاستكشاف أغرقت عددا من سفن الفرنجة، وعادت بعدد من الأسرى، ثم أرسل حملة أخرى دارت بينها وبين الفرنجة معركة طاحنة وتم قتل فيها خلق كثير من الصليبيين،

ورُفعت راية الإسلام بقبرص، وعادت الحملة إلى مصر محملة بالغنائم والأسرى، ثم أرسل حملة أخرى، وكانت الحملة القاضية، وإستطاعت جيوش برسباي أن تلحق هزيمة ساحقة بالصليبيين، ودخل المسلمون مدينة الأُفقسية أو قيل نيقوسية، فصلوا الجمعة في كنيستها، وأصبحت قبرص جملة من بلاد المسلمين، وقد بالغ برسباي في فرض الضرائب على سفن الأجانب، حتى ضج هؤلاء، وهمت فرنسا بإستدعاء جميع تجارها من مصر، فخاف على تجارة البلاد من الكساد فنظر في مطالبهم، وفي سنة ثماني مائة وواحد وأربعين من الهجرة، ومات برسباي وولي من بعده إبنه الفتى، الذي لم يستطع أن يحتفظ بالعرش أمام نفوذ أقوى الأمراء عندئذ وهو جقمق، الذي تولى السلطنة بعد قليل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى