الدكـــروري يكتب: حكم السلطان برقوق

 

الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم وبعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وكما ذكرت المصادر الكثير عن دولة امماليك البرجيه، والمعروف أن دولة المماليك البرجية عمرت أكثر من مائة وأربعة وثلاثين سنة، تعاقب على عرش السلطنة خلالها ثلاث وعشرون سلطانا، ومن هؤلاء السلاطين تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات، في حين حكم الأربعة عشر سلطانا الباقون تسع سنوات فقط، أما هؤلاء السلاطين التسعة الذين إرتبط بهم تاريخ دولة المماليك الشراكسة فهم برقوق وفرج وشيخ وبرسباي وجقمق وإينال وخشقدم وقايتباي وقانصوه الغوري، وكثير من أولئك السلاطين عرفوا بحبهم الأدب ومجالس العلم.

كما عُرف بعضهم بالتقوى والورع، ولا شك في أن البلاد قاست كثيرا في عهد المماليك الشراكسة من جراء المنازعات المستمرة بين طوائف المماليك، وما كان ينجم عن تلك المنازعات من حوادث وقتال في الشوارع، مما أوجد جوا من القلق وعدم الإستقرار في القاهرة بوجه خاص، وزاد من شدة البلاء أن السلاطين عجزوا في ذلك العصر عن كبح جماح مماليكهم مما جعلهم لا يجدون وسيلة للإحتفاظ بمراكزهم سوى ضرب طوائف بعضها ببعض، وبذلك يخلوا الجو للسلطان ومماليكه فيعيثون في الأرض فسادا، على أنه يلاحظ أن سلاطين الدولة الشركسية عملوا دائما على حصر تلك المنازعات داخل دائرة داخلية بحتة، بحيث لم يمكنوا قوة خارجية من التدخل في شؤون البلاد أو الإنتقاص من سيادتها، على أن ذلك لم يحل دون تطلع عامة المسلمين في أواخر هذا العهد.

إلى العثمانيين كمنقذين ومخلصين، ولم يمضي على قيام برقوق في السلطنة عام واحد حتى حبكت مؤامرة لعزله وإحلال الخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بدله، ولكن برقوق إكتشف المؤامرة بفضل ما بثه من العيون والجواسيس، فكشف أمر المتآمرين وكان أغلبهم من المماليك البحرية الترك، فتخلص من بعضهم بالنفي وطرد آخرين من وظائفهم، ثم عزل الخليفة المتوكل وأحل محله خليفة آخر هو أبو حفص عمر بن إبراهيم الذي لقب بالواثق بالله، على أن هذه الإجراءات التي قام بها برقوق لم تنفع في حمايته من المؤامرات المتصلة التي دبرها خصومه ضده، حتى إنتهى الأمر سنة سبعمائة وواحد وتسعين من الهجرة، بقيام ثورة في شمال الشام كان من نتيجتها زحف الثوار على القاهرة والقبض على برقوق ونفيه إلى الكرك ولكن النزاع لم يلبث أن إشتد بين قائدا الثورة.

وهما الأميران منطاش نائب ملطية ويلبغا الناصري نائب حلب، مما أعطى برقوق فرصة لإسترداد مكانته، فهرب من الكرك وجمع جيشا بالشام، وأنزل هزيمة بأعدائه عند صرخد سنة سبعمائة واثنين وتسعون من الهجرة، ثم دخل القاهرة ظافرا حيث رحب به الأهالي وإستقبلوه استقبالا حافلا، والتف الناس حوله لما رأوا من سوء تدبير منطاش وتعسفه، وقد قضى برقوق العامين التاليين في إخضاع بقايا الثوار في الشام، ولم يكد يفرغ من ذلك حتى داهم الدولة المملوكية خطر المغول مجددا، هذه المرة بزعامة قائد جبار هو تيمورلنك، وكان تيمورلنك قد إستولى على بغداد سنة سبعمائة وخمسة وتسعون من الهجرة، وإستولت جيوشه على بعض المناطق الداخلة ضمن نطاق السلطنة المملوكية مثل ماردين مما جعل السلطان برقوق يحس بذلك الخطر ويعمل بسرعة على تلافيه.

وكان أن إستطاع برقوق أن يعمل حلفا سريعا بين القوى الإسلامية التي أحست بخطر تيمورلنك في الشرق الأدنى، مثل الإمارة الآرتينية والقبيلة الذهبية والسلطنة العثمانية، ولم يلبث تيمورلنك أن أرسل رسالة إلى مصر يطلب فيها من برقوق تسليمه البلاد، وأرفقها بخطاب من التهديد والوعيد، فإمتنع برقوق عن الإستجابة لمطالب تيمور، ورد عليه بنفس أسلوبه وطرد رسله من القاهرة، وأخذ يستعد لحرب المغول، ولكن المنية عاجلته فمات سنة ثماني مائة وواحد من الهجرة، قبل الشروع في الحرب، فترك ذلك لإبنه الناصر فرج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى