مصيدة الموت في غزة: حين تتحوّل المساعدات الإنسانية إلى فخ دموي بقلم /دلال ندا

مصيدة الموت في غزة: حين تتحوّل المساعدات الإنسانية إلى فخ دموي
بقلم /دلال ندا
في قلب غزة المنهكة، حيث يلاحق الجوع والخوف السكان كل ساعة، يجد الغزّيون أنفسهم عالقين بين مطرقة الحاجة وسندان الموت. ففي كل مرة يُعلن فيها عن وصول مساعدات إنسانية، يندفع آلاف المدنيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، نحو نقاط التوزيع، يحدوهم أمل الحصول على شيء يسدّ رمقهم أو يخفف وطأة الجوع الذي ينهش أجسادهم منذ شهور. لكن ما يفترض أن يكون شريان حياة، تحوّل في مرات كثيرة إلى مصيدة موت.
مشاهد مأساوية تتكرّر
على مدى الأسابيع الماضية، وثّقت وسائل إعلام دولية ومنظمات حقوقية استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي حشود المدنيين المتجمعين حول شاحنات المساعدات أو على الطرق المؤدية إليها. في بعض الحوادث، لم تكد الشاحنات تتوقف حتى دوّى صوت الرصاص أو القصف، ليسقط العشرات بين قتيل وجريح، وسط مشاهد دماء وصراخ وفوضى. كثيرون فقدوا أحباءهم وهم يحاولون تأمين كيس دقيق أو بضع علب غذاء.
هذه الممارسات، التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب، تهدف – بحسب مراقبين – إلى ترهيب السكان ومنعهم من الحصول على المساعدات التي تشكل شريان حياتهم الوحيد في ظل الحصار الخانق ونقص الغذاء والدواء.
أرقام صادمة
تقدّر تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من 1.7 مليون شخص في غزة يواجهون خطر المجاعة. ومع انهيار شبكات الإمداد الداخلي، باتت قوافل الإغاثة الدولية الأمل الأخير لكثيرين. لكن الطرق التي يسلكها الغزّيون للوصول إلى تلك المساعدات صارت محفوفة بالموت. تشير إحصائيات أولية إلى سقوط مئات الضحايا، بين قتيل وجريح، خلال محاولاتهم الاقتراب من نقاط توزيع المساعدات منذ بداية العام الحالي.
انتقادات دولية ومطالب بالمحاسبة
واجهت إسرائيل انتقادات واسعة من المجتمع الدولي بسبب استهدافها المتكرر للمدنيين خلال تجمّعهم للحصول على المساعدات. طالبت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بإجراء تحقيقات دولية مستقلة في هذه الحوادث، معتبرة أن استهداف المدنيين العزل يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
من جهتها، تبرّر إسرائيل أحيانًا هذه الهجمات بادّعاء وجود عناصر مسلّحة وسط الحشود أو محاولات لنهب المساعدات. لكن شهود عيان وصور ومقاطع فيديو متداولة تكذّب تلك المزاعم في كثير من الحالات، مؤكدة أن الغالبية الساحقة من الضحايا كانوا مدنيين عزل يبحثون فقط عن لقمة عيش.
بين الخوف والجوع
يعيش سكان غزة اليوم مأساة مركّبة: فهم لا يواجهون خطر الموت في بيوتهم بسبب القصف فحسب، بل حتى الخروج للحصول على الطعام قد يكلّفهم حياتهم. ومع استمرار إغلاق المعابر، وتعطّل معظم المرافق الطبية، فإن كل إصابة جديدة تتحوّل إلى كارثة مضاعفة.
في كل مرة يُعلن فيها عن توزيع مساعدات جديدة، يُطرح السؤال المؤلم ذاته في أذهان الغزيين:
هل نخرج لنأكل فنموت؟ أم نبقى فنموت جوعاً؟
هكذا تحوّلت المساعدات الإنسانية في غزة من رمز للأمل إلى مصيدة موت تُضاف إلى سجل المعاناة الطويلة لشعب محاصر، ما زال المجتمع الدولي عاجزًا عن حمايته وإنقاذه.