دكتورة ناصرية بغدادي تعيد (هو وهى) من منظورها

تابع الحوار محمد سليمان
مدير تحرير وكالة أنباء آسيا بايطاليا
هنيئا لكَ آذارُ.. أيقونةً أبديةً لنون عيدها
والثامن منك بوابتها والعنوانَ..!
د/ نـاصرية بغدادي العرجـــة
>نيويورك
أخيرا يطل آذار علينا .. ليذكرنا بمعنى الـ”هي” فينا وبينا ..
“آذار” هو وحده من يعطينا فرصة لمعرفة هذه الـ”هي” منه “هو” ومنها “هي”..
آذار الخير والعطاء.. يريد و هو يقدمها لنا أن يقول أكثر مما يضمره عنها، وما قد لا ندركه نحن بجهالتنا لها.. هذه الأنثى المعرفة بكينونتها المقابلة لكيان الـ”هو” تبقى صانعة لسرّ ديموته.. و عصب بقائه.. بدونها يفني ومن غير وجودها يضمحل ..
في أمس قريب وأنا أقرأ مقال إحداهن حين كتبت عن الرجل واصفةً إياه في عنجهية تواجده الحتمي بيننا بالكهف المظلم؛ من حيث شبهت الأنثى بالموج الهادر.. كتبتُ مجرد رأي في المرأة.. من حيث كوني أنثى أقاسمها نون النسوة الغالبة، وأشاركها تاء التأنيث المغيبةِ والغائبة .. فجاء هذا المقال كقراءة موازية مفنّدة لما ورد على لسان إحداهن..
الـ”هو” والـ”هي” .. ثنائية متضادة في خَلقها متناسقة متكاملة في وجودها.. بدونها لا تستقيم دنيا أو تقوم حياة …
ومن العار أن نشبِّه الأنثى منَّا ..مهما تدانت أو علت في خُلُقها أو خَلْقها بموج البحر الذي هو في جمعه يبدو أكثر تماهٍ في التذكير منه إلى التأنيث، وإن كان مفروضا تشبيهها بذلك فالأحرى تشبيهها – فقط في ثورتها – بأمواج البحر التي قد انكسرت في جمعها الـتأنيثي تماما كما تنكسر الموجة الواحدة بصخر اليابسة فترتد أكثر قوة وأعظم تجسيدا .. ومع تقديري الكامل لهذه الوقفة الإبداعية المقدمة بقلم السيدة معروفة بصيتها في الوسط الاعلامي العربي، والتي تبدو على الرغم من حسن نواياها، أكثر ظلما للأنثى التي دائما نسعى في ضيق أفقنا المشرقي إلى تصويرها أكثر طلبا للآخر الممتد فيها وبها وإليها؛ مشفوعٍ بوصايةٍ أراها مشبوهةً لتبرير غياب الآخر عنها كلما حضرت هي .. دونما أدنى مقاربة لحقيقة وجودها المرتبط بسرِّ كل ما هو مؤنث في تسميته الأولى وتهجيته الإلهية التي علّم الله بها آدم الأسماء كلها ..
هذا السرّ الذي تعلق بسميائية الدال والمدلول إنما هو كامن في سرِّ عطائه وقدرة استمراره وقوّة تجسّده، لهذا تعلق كل ما هو مخلوق في تسميته المؤنثـــــة بمعاني الخصب والعطاء والاستمرار والجمال والوضوح والتجلي وقوة التحمل والمكابرة والمصابرة؛ فكانت الحياة مؤنثة والروح مؤنثة، وكذا الأرض والسماء والخضرة والشجر والزهور والورود والفاكهة والملائكة والراسية (الفلك) والقافلة والكلمة والعين واليد والجنة والنار والقيامة، وغيرها من الأسامي التي تشكل في جملتها مفردات مؤنثة ترتبط لفظاً ودلالةً بـالــ “هي” حين التعريف أو التسمية؛ فيها من دلالات الهبة والدفء والامتداد والفرح والتضحية؛ ما يجعلها عاكسة لمعاني المد والتنازل وعدم الأنانية، وارتبط كل ماهو مخلوق في تسميته الذكرويـــة بالغصب والأنانية والغموض والذمور والتسلط والتجبر والجلد والثبات والعناد والتحكم والمرابطة والسلطوية وحب المسؤولية ؛ فكان الموت مذكرا والجسد مذكرا وكذا الغيم والبحر والماء والجذر والغصن والدم واللحم والطين واللفظ والجن والانسن والدمار والفناء ..وغيرها من التسميات العاكسة في وجودها ومعناها لفظاً الــ”هو”؛ فيها من إيحاءات السلب والأخذ والجمود وعدم المبالاة ما يجعلها مصدرا للتملك والانفرادية.
ليس من العار الشعور بالاحتياج إزاء من هم سندٌ لنا ونحن أيضا سندٌ لهم، وليس من العيب الاختباء وراء حياءٍ فاشلٍ في البوح بما نرغب ونريد ممن نرغبهم ونريدهم احتياجا في بقائنا وسرّ استمرارنا أصدقاءً أو إخوانا أو أولادا كانوا أو أزواجا.. إنما العار والعيب كلّه كامن في ذواتنا القاصرة بقصر نظرنا إلى حقيقة المحبة التي قد زرعها الخالق فينا جذوةٌ متقدة؛ تنوِّر الفالت في حياتنا وتقوِّم الأعوج من عود استقامتنا أمام أنفسنا وأمام مبدعنا سبحانه وتعالى؛ قبسا من قدسيته العظيمة فينا التي حبانا بها دون خلقه جميعا في قوله تعالى واصفا الانسان ((ونفخنا فيه من روحنا)).. وهي الميزة التي ميّز بها هذا المخلوق من خلقه أجمعين ليخروا له من جنّ وملائكة ساجدين؛ لأنه فيه من قدسية الأعلى ما يمكنه أن يكون الوارث لأقدس صفة في خالقه وهي المحبة؛ إذ أن “الله محبة” ..!
بيدأ أن سيكولوجية إنطوائنا في زاوية العادات والتقاليد، وعادة اختبائنا وراء عباءة الحلال والحرام من المقاليد؛ جعلنا نخبط ماهو مادي صرف بما هو روحاني مصفى… فلا نفهم الارتباط إلا بتلاقي الأجساد قبل الأرواح، ولا نعي حقيقة المحبة إلا باتحاد الجنسين قبل تآلف الروحين، وتهنا في تربية معاقة هي أقرب للسفسطة المجتزأة منها إلى الفلسفة البنّاءة… وحرمنا أنفسنا استراحة الروح في صدق المعنى قبل راحة البدن في سفسطة المبنى، ولم نسمو أبدا بأرواحنا إلى ماوراء الروح فأرهقنا فيها حقيق المعدن منا..
وحرمنا أنفسنا حق التمتع بحقيقة رباط المحبة الدائم والمتجدد، وميثاق الحب القدسي السرمدي المتقدْ؛ ما دام النفاق هو صواننا الذي تجتمع فيه كل رواسبنا الراكدة، والخِراصة (الكذب) هي لحافنا الذي به نغطي جميع عوارتنا الفاسدة..
لم ولن نجرأ على إعلان ما نريده حقيقةً كاشفة لكل ما نكتمه ولا نجهره، ولن تكون لدينا الشجاعة الكافية للبوح بما نرغبه مرآةً عاكسة لما نضمره ولا نظهره .. لأننا ببساطة نحيا في مجمتع مهلهل أوله عقدْ، وآخره لبدْ، ووسطه كمد ونكدْ .. مرضى نحيا فيه، ونتلذذ في استمرار حياتنا بهذا الشكل وعلى هذا النمط ،، همّ الأنثى فيه تلخَّص في جميع كتاباتنا سواء الذكروية أو الأنثوية في سؤال أحقية من على من؟.. ومعاقبة من لمن؟ وشكاية من إلى من؟ .. نجمِّل أقلامنا بعطر منتهي الصلاحية نحسبه عقيدة فينا وهو أقرب للكفر منه للإيمان ..
كيف لنا أن نصف انطوائية الذكر بيننا بالكهف في ظلمته وضبابية أغواره .. وهو من خلقه المولى ليتجلى فينا حين فرحه وقرحه لآلىءَ وعصافير.. ؟؟…
وكيف لنا أن نربط مشاعر الأنثى فينا بموج بحرٍ هادرٍ غاضب.. وهي التي انوجدت صنوا للذكر أمام كل المحن والأعاصير؟؟..و الحقيقة – التي بها انوجدت – أنّها دائما مصدر قوته وسرّ ديمومته وأزلية فرحته، أمّا هو فظلُّها الظليلَ وعبقها العليلَ.. بها ولأجلها يحى وفيها أبدًا يكون ويتجلى..
وأظنها مفارقة كبرى وظلما أكبر أن تغزو أمواج بحر مالـح كهفا مظلما من جبلٍ مهجورٍ عالٍ ثابث في مكانه لا يراوح…. وهي وحدها الزاحفة إليه دائما أما هو فرابض غير رازحْ.! كيف؟!.. ليست أدري…!؟.
ويستمر السؤال يراوح مكانه منها و فيها و بها و لأجلها؛ في حين ستظل هي وستبقى صانعة الرجل وسرّ عبقريته، وصنوّه وعزوته؛ لهذا ارتبطت بآذار عيدا وتواجدا بين شهور السنة، واختارته حتى يكون أيقونتها ورمز الخصوبة فيها والمددَ.. ليقول لها في بدء كل صباحاته النيروزية : ” كل عام وأنتِ لي الوجود والعطاءْ..! فترد عليه هامسةً: ” كل عام وأنتَ فيِّ وبيِّ الصدق والوفاء؛ كلما زاحمتني الأيام وآلـمتني الـمحن “.
فهنيئا لنيروز ذاك الموطنُ وهذا الوطن.. !