محمد كمال قريش يكتب / مراجعة لرواية “قصتي الحقيقية” لخوان خوسيه ميّاس

محمد كمال قريش يكتب / مراجعة لرواية “قصتي الحقيقية” لخوان خوسيه ميّاس

 

في العادي، وبعد قراءة عمل ما، وخاصة بعدما يبهرني، أكتب عنه، العمل ذاته. لكن الآن أنا منبهر بالكاتب نفسه!

     انتهيت للتو من “قصتي الحقيقية” وفي حادثة غريبة ومثيرة، وأنا الذي فرغت منها للتو، لا أتذكر اسم البطل، والذي كان هو الراوي، ولا أتذكر حتى إن كنت قد قرأت وعرفت اسمه أم لا!

     سر انبهاري بخوان خوسيه ميّاس، أنه جعلني لا ألتقط أنفاسي، أعكف على عمل من ٧٣ صفحة تقريبًا، ومن صفحات مسودة عن آخرها، حيث الحوار في قلب السرد، حتى أنتهي منه. وبلذة ومتعة ليس لمذاقهما حدود.

     البطل (وعليّ أن أقرأها مرة أخرى لأتأكد من أن كان له اسمًا أم لا) هو صبيًا يعرف في نفسه أن غريب الأطوار، أو ليس طبيعيًا بالمعنى الكلي، أو مريضًا بالتفكير والعمق والتحليل، ويعرف أن والديه يعرفان. وباستخدام مقولة لدوستويفسكي، أن لو عرف الأبله أنه أبله، فهذا لا يجعله أبله.. لم يكن هذا الصبي أبلهًا أو غريب الأطوار.. بل كان مختلفًا.

     والده، عاشق للكتب، قارئ جيد لدرجة جعلته يظهر في التليفزيون ويتحدث عن الكتب والكُتّاب، بمعنى آخر، ناقد أدبي. يرتكب هذا الصبي أثناء محاولة منه للانتحار، جريمة من دون قصد، قضت مضجعه وغيرت مجرى حياته للأبد.

     وبتفكير غريزي، وشعور مثير محير من ذاك النوع الذي يدفع الجاني لأن يحوم من حين لآخر حول مسرح جريمته، وجد الصبي نفسه فوق مسرح الجريمة، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا غليظًا بالمجني عليه.

     ليعيش في نفس شعور “راسكولينكوف” بطل رواية الجريمة والعقاب للقدير دوستويفسكي، ولمعرفته بذاك العقاب القاسي، تضاعف عقابه الذاتي لذاته.

     قصتي الحقيقية، واحدة من الأعمال النادرة التي “مزّجتني” وشبعتني أدبيًا في حين أن الأدب لا يُشبع منه. 

     خوان خوسيه ميّاس، أن تكتب رواية كهذه، ومع ذكر نادر جدًا للمكان والزمان، وقلة الشخصيات، وقلة، بل عدم التعرض للوصف الخارجي، وتخرج مبهرة استثنائية هكذا.. فهذا إبداع، وهذا هو الأدب.

    لقد عوّض وعالج خوان خوسيه ميّاس كل نواقص عناصر الرواية المعروفة والمتعارف عليها، بجمالية وصفه لدواخل وأعماق الشخصيات، وبتلك الفلسفة البديعة الخيالية التي كتب بها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى