الدكروري يكتب: أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون

 

الحمد لله أحمده الحمد كله، وأشكره الشكر كله، اللهم لك الحمد خيرا مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، أشهد أن لا إله إلا الله شهادة أدخرها ليوم العرض على الله، شهادة مبرأة من الشكوك والشرك، شهادة من أنار بالتوحيد قلبه، وأرضى بالشهادة ربه، وشرح بها لبه.وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله وسلم على كاشف الغمة، وهادي الأمة، ما تألقت عين لنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هتف حمام على شجر، وعلى آله بدور الدجى، وليوث الردى، وغيوث الندى، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد يقول تعالى فى سورة العنكبوت ” أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون” 

ولكن كيف قابلت قريش هذه النعمة العظيمة الفريدة التي عاشت في ظلالها دهرا، وتبرز عظمة هذه النعمة إذا علم أن الفوضى القبلية، كانت تسود باقي مناطق الجزيرة العربية، ففي غير مكة، كان السلب والنهب، وكانت الهجمات المفاجئة جزءا من حياة تلك القبائل، وكانت الحروب تقوم لأتفه الأسباب وفي مثل هذه الأجواء القائمة تظهر قيمة الأمن والهدوء والطمأنينة التي كانت قريش تعيشه في بلدها، بل وفي قوافلها خارج بلدها، وبعث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم في أم القرى مكة، ودعا قومه إلى الإسلام وإلى هذا النور الذي جاءهم من الله تعالى، وأمرهم بتوحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام والطواغيت، وكان مما اممتن الله به على قريش نعمة الأمن هذه

فقال تعالى “لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” فهم آمنون في بلدهم، وفي رحلات قوافلهم في الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام، فأمرهم تعالى بعبادة رب هذا البيت الذي أنعم عليهم بنعمة الأمن والأمان، فكيف لا يتدبرون هذه النعمة، وكيف يقابلونها بهذا الكفران، حيث جعلوا مكة بلد الله الأمين مسرحا للأصنام، وعبادة غير الله تعالى، مع كفران بنعمة الله ورفض لعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ وقيل أن قريش قد حولوا بيت الله الحرام والكعبة نفسها إلى منتدى للطاغوت، فأحاطوا الكعبة بالأصنام، التي تعبد من دون الله تعالى وأي كفر أعظم من هذا الكفر، وأي محادة لله تعالى أكبر من هذه المحادة ؟ وأن قريش أصبحت تحارب عباد الله المؤمنين في بلد الأمان مكة.

فانقضت على الصحابة السابقين إلى الإسلام تسومهم وتسوم أسرهم سوء العذاب فحولوا بلد الأمان إلى رعب وخوف للمؤمنين الصادقين مكة التي كان يأمن فيها الخائف حتى إن الرجل كان يرى قاتل أبيه في مكة ولا يستطيع أن يتعرض له بسوء لأنه في بلد الأمان مكة، ولكن بماذا أجابوا أهل قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الهدى وإلى الايمان بالله والكفر بالطاغوت، وذكرهم بنعم الله الكثيرة، ومنها الأمان العظيم الذي يعيشونه دون بقية القبائل؟ فقال تعالى فى سورة القصص عن قريش “وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ” فإن قريش التي تعيش آمنة في ظل بيت الله الآمن، لم تشكر الله على هذه النعمة الظاهرة بحيث تستجيب لنداء الإيمان.

بل استخدمت هذه النعمة في الكفر والشرك بالله تعالى، واحتجت على ذلك بحجة عجيبة احتجت بأنها إن استجابت للرسول واتبعته على ما جاء به من الهدى حاربتها القبائل الأخرى وقاتلتها وأفقدتها هذا الأمن والأمان، فالكفر عند قريش هو الذي يحقق الأمن والأمان، أما الإسلام والهدى والإيمان فإنه يؤدي إلى نقيض هذا الأمان، فيعرضهم للمخافة، ويغري بهم الأعداء، ويفقدهم العون والنصير، بل ويعود عليهم بالفقر والبوار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى