الدكروري يكتب: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال، أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال، وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد.
إن هناك توحيدان توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية، توحيد الربوبية عندما نعرفه بأننا نؤمن أن الله هو الخالق الرازق أوجدنا من العدم ربانا بالنعم هكذا نعرف الله عز وجل، وتوحيد الألوهية نعرفه بأن الله تعالى لا يعبد غيره، ولا يجوز أن نعبد أحدا غير الله فالله تبارك وتعالى عندما قدم موسى عليه خاطبه بلفظ الربوبية ليشعره بالأمان والاطمئنان والسكينة وأنه في رعاية رب العالمين، وذلك كما قصّه الله تعالى علينا من خبر الفتية الذين أووا إلى الكهف، فما الظن بالصالح يصحب الصالحين، بل الصالح يصحب الأنبياء والمرسلين، وإن في تخوم التاريخ ثمة رجال أرسوا دعائم روعته، وأوقدوا ملامح عظمته، ونفخوا من إشراقات سيرتهم في روحه، فهو بدونهم عقيم المغزى، عديم المعنى، فإنهم جوهره الذي لا يخبو.
وشمسه التي لا تأفل، ومنبعه الذي لا ينضب، مهما تعاقبت عليه الحقب، بل يزداد تألقا وإشراقا يوما بعد يوم، فهم فيه كالمطر، كلما ازداد هطوله وتغلغل في أعماق التربة تتبرعم منه قامات السنابل، وإن المسار الذي رسمه هؤلاء الرجال الأفذاذ في مدار التاريخ، ببطولاتهم وبسالتهم وصلابتهم وتمسكهم بمبدئهم وعقيدتهم كان مسارا استثنائيا خاصا لا يتكرر كثيرا في دورة التاريخ، إنه ليس كالمسار الذي يكتبه أغلب المؤرخين عن أمجاد مزيفة وبطولات مزوّقة أضفوا عليها شعارات باطلة، ولكنه مسار ليس كمسار السلوك الخاضع لإرادة السلطة والذي تخصص فيه إمعات الرجال من الذين تابعوا السلطة من الوصوليين والمنتفعين والسماسرة والمرتزقة والوضاعين وغيرهم والذين تقود إرادتهم غير الواعية إرادة السلطة فينساقون لها بخضوع تام ويستجيبون لأمرها
ويسالمون من تسالم، ويحاربون من تحارب، ويحبون من تحب، ويبغضون من تبغض، فهم عبيد لها مهما بلغت تلك السلطة من الظلم والجور والفساد والطغيان، ولكن المسار الذي سار عليه أولئك الرجال العظماء يختلف تماما مع هذا المسار، بل يجابهه ويعارضه ويقاطعه، إنه المسار الذي يختط نفسه بنفسه، إنه مسار الحقيقة الذي رسموه بإدراك كامل، ووعي تام، وصلابة لا تنثني، فوقفوا إلى جانب الحق وحاربوا الباطل ودافعوا عن الحقيقة ملبين نداء العقيدة تحت لواء البصيرة وهم على أعلى درجات اليقين، ولقد أخذ هؤلاء الرجال النادرون على عاتقهم مسؤولية مواصلة مسيرة الإسلام والسير على النهج المحمدي الأصيل المتمثل بوصايا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فظلوا أوفياء لبيعته بعد أن تابعوه في أرساء قواعد الإسلام ببطولاتهم وتضحياتهم.