الدكـــرورى يكتب/ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد إن من الدروس والحكم المستفاده من الهجرة النبوية المشرفة هو الإعتدال حال السراء والضراء، فيوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مكرها لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربه، ولما فتح الله عليه ما فتح وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين لم يطش زهوا ولم يتعاظم تيها فعيشته يوم أخرج من مكة كارها كعيشته يوم دخلها فاتحا ظافرا وعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى من سفهاء الأحلام. 

كعيشته يوم أطلت رايته البلاد العربية، وأطلت على ممالك قيصر ناحية تبوك، وكما أن من الدروس والحكم المستفاده هو اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال، ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درسا واضحا في أن العاقبة للتقوى وللمتقين، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلّم بسيرته المجاهد في سبيل الله الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون، وكما أن من الدروس والحكم المستفاده هو ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة. 

وذلك في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه لمّا كان في الغار، وذلك لما قال أبو بكر ضي الله عنه والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مطمئنا له ” ما ظنّك باثنين الله ثالثهما” فهذا مثل من أمثلة الصدق والثبات، والثقة بالله تعالي، والإتكال عليه عند الشدائد، واليقين بأن الله عز وجل لن يتخلى عنه في تلك الساعات الحرجة، فهذه حال أهل الإيمان، بخلاف أهل الكذب والنفاق فهم سرعان ما يتهاونون عند المخاوف وينهارون عند الشدائد، ثم لا نجد لهم من دون الله وليا ولا نصيرا، وكما أن من الدروس والحكم المستفاده هو أن من حفظ الله حفظه الله تعالي. 

ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي صلى الله عليه وسلم لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليما معافى، وهذه سنة ماضية، فمن حفظ الله تعالي حفظه الله عز وجل، وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه، وهذا الحفظ شامل لحفظ البدن، وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان فلا يخلص إليه البتة فقد يصاب لترفع درجاته، وتقال عثراته، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى