حرمة تناول القدر المؤثر على العقل .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله الذي أحل لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث والمنكرات، وأشهد ألا اله الا الله وحده لاشريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، نبي الهدى والمكرمات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد إن متعاطي المخدرات تجارة وترويجا واستعمالا هم أصحاب كبائر موبقة وجرائم متعدية، يستحقون عليها أبلغ العقوبة في الدنيا، وما عند الله لهم من العقوبة والنكال في الأخرى إن لم يتوبوا أشد وأبقى، فإن لم يتوبوا إلى ربهم، ويعودوا إلى رشدهم، ويصلحوا ما أفسدوا، فالمتاجر بالمخدرات يتاجر بالحرام، ويروج الإجرام، وإن الله تعالى إذا حرم شيئا، حرم ثمنه، فهو أكال للسحت، وساعي في الإضرار بالمسلمين.
ومن ضارّ، ضار الله به، ومثله المروج للمخدرات، فكلاهما أكال للسحت، ساعي في الفساد، متسبب في الإفساد، فجزاؤهم جزاء المحاربين المفسدين في الأرض، ولقد إتفق علماء الإسلام على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من المواد والعقاقير المخدرة تحريما قطعيا، فيحرم تعاطيها بأي وجه من وجوه الإستعمال أكلا أو شربا، أو شما أو سعوطا، أو تدخينا أو حقنا في الأوردة، أو غير ذلك، وصرحوا بكونه كبيرة من كبائر الذنوب الموبقة، الموجبة للعقوبة في الدنيا والآخرة، حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حكم تناول الحشيش “هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء أسكرت أو لم تسكر، والمسكر منها حرام بإتفاق المسلمين، ومن إستحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتدا، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين”
وقال الصنعاني رحمه الله “إنه يحرم ما أسكر من أي شيء، وإن لم يكن مشروبا” والفقهاء متفقون على عدم التفريق في الحكم بين المواد السائلة والمواد الجامدة، فدل الكتاب والسّنة وإجماع الأمة على أن المخدرات بجميع أنواعها وكافة أشكالها محرمة شرعا تحريما قطعيا، إما لدخولها في عموم المسكرات، أو لقياسها على الخمر قياس علة لمشاركتها له في الإسكار وتغطية العقل، وهي علة الحكم بالتحريم أو قياس أولى لأنها أخطر من الخمر وأضر، وأقبح وأشر، فلا يرتاب في تحريمها عاقل ولا يستحلها إلا مكابر أو ملحد فاجر، قد فتن بها وعمي عقله وبصره عن ضررها وشؤمها حالا ومآلا ومثل هذا لا يزيده الجدال والتذكير إلا خبالا، فإذا تقررت حرمة المخدرات شرعا، وأنها من الموبقات، فإن الإعانة على تناول المخدرات كبيرة موبقة.
ولعنة الله عليه متحققة، فإنها إعانة على الظلم والإثم، فقال تعالى ” وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان ” وفي صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة، والخنزير والأصنام” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري والمشتراة له” فيحرم تعاطيها بأي وجه من وجوه التعاطي، كما تحرم زراعتها وصناعتها والاتجار بها، وبيعها وإهداؤها، وتهريبها وترويجها، والتعامل بها بأي وجه كان، وعلى أي صفة، والإعانة عليها والمشاركة فيها محرمة، فلا شبهة في تحريمها ومعصية المعين عليها، وإستحقاقه للعقوبة في الدنيا والآخرة.