ماذا بعد ضرب أمريكا للمواقع النووية الإيرانية؟

بقلم: لواء أح دكتور/ رأفت علي الدرس
جاء الهجوم الجوي الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان ليمثل تصعيدًا خطيرًا يحمل رسالة لإيران تطالبها بالموافقة على إنهاء الحرب لتحقيق السلام، وتحذيرها من أي رد انتقامي، إلا أن إيران تعهدت بالرد السريع من باب الدفاع عن النفس.
ومن هنا تثور المخاوف من قيام إيران باستهداف القواعد الأمريكية في منطقة الخليج، حيث كانت قد هددت بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة إذا قامت واشنطن بتوجيه أي ضربة لمنشآتها النووية. وهو الأمر الذي يُنذر بتداعيات خطيرة وعواقب وخيمة على المستوى الإقليمي والدولي، في مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية.
فإذا قامت إيران بهذا التصعيد العسكري، ترتفع احتمالية نشوب حرب مفتوحة ومواجهة طويلة المدى بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران وأذرعها الإقليمية من جهة أخرى؛ وهو ما يمكن تحديده في اندلاع الاشتباكات والمواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله في الجنوب اللبناني، وكذلك الاشتباكات بين الفصائل المدعومة من إيران في كل من سوريا والعراق مع القوات الأمريكية، وأيضًا ارتفاع استهداف الحوثيين لإسرائيل من خلال إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاهها، مع تعطيل الملاحة في البحر الأحمر باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وهو الأمر المرتبط بتنفيذ ضربات جوية أمريكية ضد مواقع الحوثيين في اليمن.
هذا إلى جانب ارتفاع التوتر الأمني في دول الخليج، حيث تثور المخاوف من تعرض البنية التحتية للطاقة فيها للاستهداف الإيراني المباشر (مثل محطات التكرير ومراكز الشحن النفطي)، وكذلك انخفاض المعروض النفطي نتيجة تعطل الإمدادات، مما سيؤدي إلى تأثر أسعار النفط عالميًا وحدوث فوضى في سوق النفط، وهو أمر له تداعيات اقتصادية سلبية على مستوى العالم أجمع.
وتمتد هذه العواقب لتلقي بظلالها على المستوى الدبلوماسي الدولي، الذي من المُتوقع أن يشهد أزمة دبلوماسية واسعة، خاصة مع توجه القوى الكبرى، مثل روسيا والصين، إلى إدانة التدخل العسكري الأمريكي، وهو الأمر المرتبط بعلاقاتهما بإيران وكذلك مصالحهما الجيوسياسية المعارضة للهيمنة الأمريكية، وبالتالي تعميق الانقسامات الدولية، وتعجيز المؤسسات الدولية عن احتواء الصراع، فتفقد دورها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
هذا بالإضافة إلى زيادة التوترات الجيوسياسية نتيجة صراع المصالح والتنافس على الموارد، وإثارة المخاوف من انتشار الأسلحة النووية، بسبب رغبة الدول في تقوية دفاعاتها وامتلاك سلاح أكثر تطورًا من أجل التأهب لمواجهة أي خطر مُحتمل.
ولا تقتصر هذه العواقب والتبعات على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي فحسب، حيث تتجاوز ذلك لتشمل جوانب إنسانية خطيرة ومؤثرة؛ فقد تشهد المنطقة حالات متزايدة من الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار، مما سيدفع السكان إلى النزوح إلى الدول المجاورة.
فالأمر خطير، يُنذر بتداعيات دولية واسعة تتطلب تدخلاً من المجتمع الدولي بأسره لوقف التصعيد في منطقة الشرق الأوسط التي تحمل أهمية إستراتيجية وجيوسياسية كبرى، والتي يعد استقرارها ضرورة عالمية؛ فإن التأثيرات الناتجة عن مثل هذا العمل العسكري الخطير لا تقف عند الحدود الجغرافية المباشرة والصريحة للمنطقة، بل تمتد لتلقي بعبئها على العالم أجمع، فتتحول إلى خطر وتهديد عالمي وشيك، مما يُحتم على الدول جميعها التعاون من أجل احتواء الأزمة وطرح الحلول الدبلوماسية الملائمة.