النسيان و معناه في القرآن  .. بقلم/ الزهرة العناق

 

في كل مرة نقرأ فيها القرآن، يجب تدبر كلمات الله تعالى و فهم المغزى منها، بل نتوقف عند المفاهيم التي تضيء لنا أعماق النفس، و تظهر خفايا الوجود. من بين تلك المفاهيم، يبرز “النسيان” ليس ضعفا بشريا، بل أداة ربانية، لها وجوه متعددة بين الرحمة، و العدالة، و الابتلاء و التربية.

النسيان البشري فطرة و ليس بذنب.

حين نسب الله تعالى النسيان إلى سيدنا آدم عليه السلام، لم يكن ذلك توبيخا، بل توضيحا لطبيعة النفس البشرية التي خلقت من تراب، فقال:

“ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما”

نسيان سيدنا آدم عليه السلام لم يكن تمردا، بل لحظة ضعف لا تلغي مقامه، بل تبرز كيف أن البشر، و إن كرمهم الله، يحملون في داخلهم قابلية السهو و الغفلة. لم يعاقبه الله على النسيان، بل احتواه، ليرينا أن الخطأ لا يمنع العودة، و النسيان لا يقطع الصلة بالرحمة.

النسيان الإلهي عدل و ليس غفلة.

حين يتحدث الله عن نسيانه للناس يوم القيامة، فهو لا يعني الغفلة، لأن الله لا ينسى، بل يقصد التجاهل العادل، و ترك المقصود لمن تجاهل الحق في الدنيا،

كقوله تعالى:

“اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا”

النسيان هنا هو عقاب نفسي، و هو أشد من العقاب الجسدي، لأن الله رفع عنهم عنايته، و تركهم لمصيرهم الذي اختاروه، و هو عدل محض لا ظلم فيه، لأنهم نسوا فكان الجزاء من جنس العمل.

حين وعد الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحفظ له القرآن، أشار إلى استثناء عميق الدلالة:

“سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله”

النسيان حكمة ربانية.

نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الآيات لم يكن قصورا، بل جزءا من التعليم الإلهي، حتى لا يتوهم أحد أن الحفظ وحده هو مصدر الوحي. الله سبحانه وتعالى أراد أن يرسخ في القلوب أن القرآن محفوظ من فوق سبع سماوات، لا من ذاكرة بشرية قد يصيبها الضعف.

النسيان نعمة في تجاوز الألم.

وفي قصة سيدنا يوسف، لم يصر على تذكر الإساءة، بل سامح و تجاوز، ليؤكد أن النسيان أحيانا يكون رفعة للنفس، و دواء للقلوب، فقال:

“لا تثريب عليكم اليوم”

نسي ما فعلوه به إخوته، ليس لأنه لم يعد يتذكر، بل لأنه اختار أن ينسى الألم ليحيا بسلام، وهنا يصبح النسيان موقفا إيجابيا، و ليس حالة عابرة، و يغدو دليلا على صفاء القلب و قوته.

أخيرا وليس آخرا، النسيان ليس ضعفا أو عاهة مستديمة نخجل منها، ولا نقمة أبدية، بل وجه من وجوه الرحمة و العدل و الحكمة.

النسيان سلاح لعل الله استخدمه في كتابه الكريم لتعليمنا، واختبارنا، وإعدادنا. 

النسيان نعمة ربانية إن أحسنا فهمه، وعدل إن رأيناه من منظور الإله، وتربية إن لمسناه في قصص الأنبياء. وبين كل هذه الوجوه، يبقى النسيان في القرآن من أعجب المفاهيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى