لحن نشاز بقلم : د.ملكة محمد اكجيل
لحن نشاز بقلم :د.ملكة محمد اكجيل

لحن نشاز
بقلم:
الدكتورة: ملكة محمد اكجيل
سنة 2016 زرت مسجدا غاية في الروعة هو جامع عبد الحليم حافظ بمدينة الزقازيق ، سألت احد الأصدقاء الصحفيين لماذا يطلق عليه إسم عبد الحليم فكان رده أن الاسم الرسمي للمعلمة الدينية هو مسجد الفتح لكن سكان محافظة الشرقية و التي عاصمتها الزقازيق يعرفون أن عبد حليم حافظ و هو إبن المنطقة ساهم ماديا وبشكل كبير فى بناء المسجد و هذا في فترة مرضه و حاجته للمال للعلاج .
الحاجة الحمداوية الفنانة المغربية لا نستطيع نكران عطاءها الفني لأزيد من نصف قرن في أواخر أيامها تقطن بغرفة لا تستطيع حتى توفير إجارها. ممثلين و فنانين مغاربة نعرف معاناتهم بعد الشهرة و النجومية، خذلتهم الحياة .
نذكر الفنانة التشكيلية الراحلة الركراكية من الشهرة العالمية و معارض دولية إلى الفقر والحرمان و المرض .
الفنان حسن مضياف الفنان الكوميدي الذي أنتهت حياته في غرفة على السطوح .
العداءة الدولية حسنية الدرامي و معاناتها في غرفة على السطوح لا يوجد بها حتى صنبور الماء .
فيروز في شقتها المتواضعة و هي متحفا لروائع الصوت الملائكي لم تطلب من ماكرون الذي زارها مكانا لتقيم متحفا ولا تباكت بإسم العمالقة الرحابنة و غناءها بقاعات الأوبرا العالمية منادية أمراء الخليج الذين يتمنون فقط أن تشير بأصبعها .
نعلم أن الفنان و المبدع يعاني و ندرك أن من دخل محراب الإبداع بهواجسه و روحه و صدق عمله لا يمكن أن يغتني من الميدان لكن لا مبرر واحد يبيح للفنان أو المثقف عامة أن يطالب بالسطو على ملكية الغير بحجة أنه محارب أو أنه صنع تاريخ الأمة لأنه كان يقطن في المكان أثناء الإبداع و لا أن يتوارث الأبناء أو الأحفاد مكان مؤجر بحجة نحن محاربون.. بل مغنيون. فلنطبق نظرية المحارب على الكل حتى نكون منصفين للمعنى التقدمي و لا نكتفي ب ” و لا تقربوا الصلاة ..” دون إتمام الآية فالمواطن الذي يذهب لعمله ليوفر قوت أطفاله محارب ، والعسكري على الحدود محارب و الأستاذ في الفصل محارب و الطبيب في مواجهة الأمراض و الجائحة محارب و …و…و .. هل يحق لهم أخذ ملك الغير بحجة هاته “الحرب ” التي هي واجب و مهنة ؟
طبعا كل يحارب باسلوبه لله در المحاربين الذين يرابطون على الحدود في الصحراء . فمن يصنع التاريخ يا سادة لا يؤرخ لنفسه بل يترك الأجيال القادمة تتحدث عنه و لا يوجد قانون يسمح لأي كان بوضع اليد على ملك الغير بدعوى إقامة متحف أو الإدعاء أن الإبداع خرج من ذلك المكان . هل سنعود لعهد الأضرحة و الزوايا و بركة المكان ؟
سجن محمود درويش.وأغتيل غسان الكنفاني وناجي العلي وأستشهدت سعيدة المنبهي و الدكتور فرج فودة و عمر بن جلون ..مثقفون تنحني الذاكرة الثقافية والنضالية لهم لم يتبجح أحدهم بصنع التاريخ ، إنه الإبداع الإنساني و التواضع الشامخ يا سادة، يترك لغيره الحكم ويرضى بقدره لأنه صوت الحق صوت المواطن و سفير الوعي الإجتماعي.
لكل الحق أن يكون سفيرا لوطنه و مجتمعه عبر أخلاقياته و عطاءه بل حتى من خلال تعامله و المغاربة كلهم سفراء لوطنهم ماداموا يقدمون صورة مشرفة و يتحلون بثقافة الإيثار و التسامح في ملكية دستورية يسودها القانون لا تفرق بين المغني و المفتي ، الفقير و الغني .
كما أن للمؤسسات الثقافية العربية و الدولية الحق في إختيار من تراه مناسبا ليمثلها فهي لا تخضع لقانون للإفتاء على مجالسها و إدارتها أو لصناديق الإقتراع الجماعية على قراراتها.
فالمثقف هو من يتقبل الرأي الآخر في ظل الحوار البناء و يدرك أن أي جنوح عن القانون لن يؤدي سوى إلى فوضى مؤسساتية . و المبدع هو صوت الإنسانية و روح المواطنة لا ينتظر مقابلا ، و لايمن على المجتمع أنه صنع لهم تاريخا بالغيتار ، فحتى خربوشة التي دفنها القايد عيسى حية في سور قلعته لم تقل صنعت لكم المقاومة أو التاريخ . من المجحف نسيان العديد من المطربين و الملحنين بالساحة الفنية التي لم تكن حكرا على بضعة أشخاص لا يتعدى عددهم أصابع اليد .وحتى لا ننسى ماذا عن عبد الوهاب الدكالي ، عبد الهادي بلخياط ناس الغيوان، جيل جلالة ، نعيمة سميح ، المشاهب سميرة بن سعيد الحسين التولالي سي محمد الحياني …وغيرهم فالتاريخ تصنعه الشعوب بكل مكوناتها الحضارية و الثقافية و المؤسساتية .لسنا ضد أي فنان أو مبدع ، نتألم لمعاناتهم و نحترم أعمالهم لكن ننكر عليهم العويل و البوز لإنتزاع أصوات التعاطف من أجل نزع ملكية الغير كيفما كانت مكانة هذا المالك فقيرا أو غنيا و لا نقبل الطعن في مؤسسة القضاء لانها لم تأت بالاغاني كشهود لصناع التاريخ .