العقلاء لا يعرفون نعيم الجنون بقلم مروه المصري

بقلم/ مروه المصري
منذ أن قيل لنا تلك العبارة الجوفاء (لقد كبرتم) ونحن نظن كل الظن أن وقت المتعة قد انتهى..
و كأنها تقترن بالطفولة وحسب.
فأخفينا براءتنا و عفويتنا ، و تهيأت عقولنا لدفن ما كنا عليه و نحن صغار.
و اكتفينا بقليل من الابتسامات عندما تلوح لنا الذكريات ، لم نكن ندرك أبدا أنها تستغيث.. تريد الحياة.
لنودعها ونودع معها سعادتنا للأبد..
و زعمنا أننا نعلم كيف نبحر بتلك الأعباء إلى بر الأمان و نحن نعول في ذلك على عقولنا الجادة ،
فنسينا مع الأيام كيف كنا نضحك ذلك الضحك الهيستيري التي تدمع فيه أعيننا..
وأدنا بداخلنا أخر ما تبقى من شهوة الجنون التي تعمل فينا كما السحر ؛ فتخرج مابضلوعنا من مشاعر حانقة حتى نحلق دون أن ندري مانفعله..
فكل ما في رأسك متاح للتنفيذ.. مباح للفعل.. مناع للتردد .. ولا تعبىء بقول أحدهم إن أشار إليك بالمجنون أو نعتك بالمخبول ، لا تهتم لصورتك في أعينهم طالما لم تؤذ أحد.. فأنت على ما يرام.
حتى الحلوى التي نحبها لم نعد نشتريها ،
ونسينا كيف كنا نمرح تحت المطر دون أن نهتم بأن يصفع البرد القارس صدورنا ، فيصيبنا الإعياء ،
ماضرنا تناول أقراص الدواء مصابين بالحمى ؛فالمتعة استحقت أن نغامر ببعض من العافية.. تلك المتعة لا تقدر بثمن.
حتى الألعاب الناضجة التي نمسك فيها اقلاما و أوراقا لم تعد تستهوينا..
منذ زمن بعيد و نحن لم نلتف حول إحدى المسرحيات الكوميدية القديمة مرددين تلك العبارات التي اضحكتنا آلاف المرات ، لكنها مؤخرا فشلت في ذلك و لا ندري ما السبب؟!
تلك الحياة التي أغدقت علينا بسيل من الضغوط و الأعباء و كأنها هدايا في ليلة رأس السنة ، ففرحنا بها دون أن نتبينها.
و منحنا الترفيه و المتعة إجازة بل أرسلناها إلى منفى الصغر حيث تنتمي ، زاعمين أن السعادة حكر على الطفولة و جنونها ، إنما العقل و النضج حلفاء للهموم و الشقاء.
أجبني إن شئت أن تصدق
كيف حياة العقلاء؟
يحدثني بل يرجوني ذلك الطفل الكائن بداخلي بصوت الواعظ و كأنه يخشى أن ينضج:
أنا لازلت هنا.. لازلت انتظر أن تستعيدني
أن تشعر بي.. أما تشتاق إلي؟!!
ألم تحن لصوت ضحكاتنا الصاخبة في الطرقات؟
ألا تئن في مقعدك الاثير كلما عدت إلى حاضرك بينما كنت سابحا معي نلهو بأحداث الماضي؟!
لا تدع الروتينية تقتلني.. لا تفقد شغفك ما حييت ،
لا تنساني حين تخطط لأهدافك الجادة فلما لا تخطط لنا كيف نستمتع؟!
أبحث بنفسك و تذكر كيف كانت أيسر و ابسط الاشياء تغمرنا بالسعادة.
و لا تلتفت و لا يحزنك قولهم أو نظراتهم ،
دعهم وحدهم يهلكون .. دعهم يشكون..
فالعقلاء لا يعرفون نعيم الجنون.