سارة عبد السلام تكتب .. قمة الصين آسيا الوسطى .. آفاق واعدة ودلالات متعددة

قمة شيآن .. القمة الأولى التي تجمع جمهورية الصين الشعبية ودول آسيا الوسطى الخمس، حيث شهدت الفترة (18-19) مايو الجاري قمة جديدة من نوعها ترأسها الرئيس الصيني شي جين بينغ بحضور رؤساء الدول الخمس، تلك القمة التي سلطت الضوء على حقيقة أن الصين ودول آسيا الوسطى تشترك في مصالح مشتركة واسعة وأن التعاون الإقليمي يزداد عمقًا وسط الاضطرابات العالمية المتزايدة .
وكانت القمة هي أول حدث دبلوماسي كبير تستضيفه الصين خلال هذا العام، وتأتي استكمالًا لعديد الخطوات المهمة التي قطعها الطرفان خلال السنوات الأخيرة في مسار دعم وتعزيز التعاون المشترك، لتكون بمثابة استكشاف مسار جديد للتعاون، يدفع نحو التنمية الجديدة، والبحث عن نتائج جديدة للتعاون، وهو ما شدد عليه قادة الدول الستة خلال القمة .
ومن هذا المنطلق ، يُناقش هذا المقال دلالات القمة وانعكاس نتائجها على التعاون المشترك بين الصين وآسيا الوسطى، وهو ما يتضح في الآتي :
قمة الصين آسيا الوسطى .. دلالات ومصالح متبادلة ..
تشير القمة وتوقيت انعقادها إلى مجموعة من الدلالات التي يمكن تلخيصها في الآتي :
- الأهمية المحورية لدول آسيا الوسطى للمصالح الصينية .
تتمتع الصين وجيرانها في آسيا الوسطى بتاريخ طويل من الاتصالات يعود تاريخه إلى طريق الحرير القديم. وبالحديث عن الماضي القريب، كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت وأقامت علاقات دبلوماسية مع دول آسيا الوسطى الخمس بعد حصولها على الاستقلال في عام 1991. ومن ثم ترجع الأهمية المحورية لتلك الدول بالنسبة للصين إلى عدة عوامل، يتمثل أهمها في:
- أن آسيا الوسطى يقطنها حوالي نصف مليون من عرقية الإيغور، مما دفع الصين لإدراك أهمية توطيد علاقتها بدول هذه المنطقة، بهدف تأمين حدودها والتأكد من عدم حصول الإيغور داخل الصين أو في آسيا الوسطى على أي دعم من شأنه أن يشجع انفصالهم عن بكين.
- كما تتمتع دول آسيا الوسطى باحتياطيات وفيرة من الوقود الهيدروكربوني، وبالتالي فهي ذات أهمية حيوية لتنويع مصادر الطاقة المحلية في الصين، حيث تتمتع هذه الدول باحتياطيات نفط مؤكدة تُقدر بنحو 40 مليار برميل، واحتياطيات غاز طبيعي تزيد على 500 تريليون قدم مكعبة، ومن ثمّ يمكن لجمهوريات آسيا الوسطى مساعدة بكين على تقليل اعتمادها على غرب آسيا للحصول على الطاقة. وكان الرئيس شي قد نوه خلال القمة إلى بدء العمل في الخط «دال» وهو خط الغاز الطبيعي الذي سيربط بين الصين ودول آسيا الوسطى، هذا الخط سيكمل الخطوط الثلاثة الأخرى التي تربط بين الصين وكل من تركمنستان وكازاخستان بطول ١٩٠٠ كم وتنقل نحو ٥٥ مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.
- وأيضًا تمتع آسيا الوسطى بموقع استراتيجي متميز كونها تربط الصين بأوروبا والشرق الأوسط، وبالتالي أصبحت آسيا الوسطى تُعد جزءًا رئيسًا من مبادرة الحزام والطريق. ويتأكد هذا من خلال عقد القمة في مدينة شيآن التي تتمتع المدينة بصلات ثقافية وتجارية مع آسيا الوسطى تعود إلى آلاف السنين وكانت محطة مهمة على طريق الحرير القديم الذي استخدمته بكين كأساس لمبادرة الحزام والطريق (BRI).
- محاولات بكين لاستغلال الفراغ الروسي وتعزيز مكانتها في المنطقة
نتيجة لانشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، تُعد القمة بمثابة رغبة صينية في الاضطلاع بدور أكبر في هذه المنطقة، وهو دور تتطلع إليه دولها، لاسيما في ظل الاضطرابات التي تعانيها روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
ومن المؤكد أن البعض سيقرأ إشارة إعلان شيان بين الصين وآسيا الوسطى إلى “الاستقلال الوطني والسيادة وسلامة الأراضي” باعتبارها ضربة قوية لروسيا، ولكن لم يتم ذكر روسيا بشكل مباشر خلال قمة الصين وآسيا الوسطى، ولا الحرب في أوكرانيا، لكن نفوذ روسيا وأهميتها في آسيا الوسطى تلوح في الأفق بشكل كبير، ولا يمكن تصور أن تكون نتائج هذه القمة ودلالاتها بمعزل عن روسيا.
- حشد الدعم في مواجهة القوى الغربية
ترغب الصين في التأكيد على أن القوى الغربية لا تمثل المجتمع الدولي بأسره، وأن بكين لديها العديد من الأصدقاء في البلدان النامية والعالم غير الغربي، وأن دول آسيا الوسطى تعد من أهم حلفاء الصين. ويؤكد على هذا تزامن القمة مع قمة الدول السبعة الكبار التي استضافتها مدينة هيروشيما اليابانية من الجمعة ١٩ مايو وحتى الأحد ٢١ مايو والتي بالفعل شهدت لهجة دبلوماسية شديدة السلبية بخصوص الصين.
وفيما يتعلق بدول آسيا الوسطى، فإنه في عالم اليوم المضطرب سريع التغير، تواجه دول آسيا الوسطى تحديات داخلية وخارجية على حد سواء بما في ذلك الصراعات الجيوسياسية والتطرف والآثار اللاحقة ل COVID-19، تسعى تلك الدول من خلال التعاون مع الصين ليس إلى حماية سيادتهم وأمنهم القومي بشكل أفضل. كما أن كل دول آسيا الوسطى الخمس لديها برامج إصلاح خاصة بها تهدف إلى تعزيز اقتصادها، وتحسين سبل عيش الناس وتقليل المخاطر الخارجية، إن لم يكن التغلب عليها. ومن ثم يمكن لمبادرة الحزام والطريق مساعدة دول آسيا الوسطى على تنفيذ برامج الإصلاح الخاصة بها، والتي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحسين سبل عيش شعوبها وتعزيز نموها الاقتصادي، ومن ثم فإن تكامل مبادرة الحزام والطريق مع خطط التنمية الجديدة لدول آسيا الوسطى خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
ومن ثم فإن العلاقة مفيدة للطرفين، حيث تقوم دول آسيا الوسطى بتزويد الصين بالطاقة والمعادن وغيرها من السلع مقابل الاستثمار والبنية التحتية. كما ترى الصين في آسيا الوسطى إمكانات اقتصادية هائلة، فضلاً عن طريق تجاري إلى أوروبا مثل طريق الحرير المعاصر.
قمة شيآن .. خطوة جديدة على طريق مستقبل واعد
رفعت دبلوماسية رؤساء الدول في قمة شيان التعاون بين الصين وآسيا الوسطى إلى مستوى أعلى، فقد خلقت القمة شكلاً جديدًا لعلاقات الصين مع دول آسيا الوسطى؛ إذ شهدت القمة إعلان الرئيس شي جين بينغ وزعماء دول آسيا الوسطى قرارهم إنشاء “آلية قمة بين الصين وآسيا الوسطى”، والتي بموجبها ستتناوب الدول الست على استضافة القمة كل عامين، وإنشاء أمانة دائمة للآلية في الصين، وستعقد القمة القادمة في كازاخستان في عام 2025.
كما أصدر القادة المجتمعون بيانًا مشتركًا، شكلت نقاطه الخمس عشرة للإعلان رؤية لعلاقات قوية ومتنامية بين الصين ودول آسيا الوسطى. وتأتي النقطة الأولى، على سبيل المثال: “في مواجهة التغييرات الرئيسية التي لم نشهدها منذ قرن، والتركيز على مستقبل الناس في المنطقة، فإن الدول الست مصممة على التكاتف لبناء مجتمع أقرب بين الصين وآسيا الوسطى. مع مستقبل مشترك “. وهو ما أكده اتفاق الدول الست على وجه الخصوص على تعزيز التعاون المتعمق في مجالات مثل النقل والتجارة والاقتصاد والاستثمار والصناعة والزراعة والطاقة والجمارك والتبادلات الشعبية، والحفاظ على السلم والأمن الإقليمي. هذا فضلًا عن التوقيع على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون من أجل تنمية آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين.
وهو ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وتعزيز الدعم المتبادل للمصالح الجوهرية والاهتمامات الرئيسة للدول الشريكة، كما أن الاتفاق على توسيع التبادلات الشعبية الصين ودول آسيا الوسطى سيساعد على الحفاظ على تعاون طويل الأمد.
وختامًا؛ يُمكن القول إن قمة الصين آسيا الوسطى تُعد بمثابة خطوة مهمة للصين في تنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية والدولية، ومن المُرجح أن تُكثف الصين من انخراطها في منطقة آسيا الوسطى خلال الفترة القادمة بشكل أكبر من أي وقت مضى؛ وذلك بسبب انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، وهو ما يُمثل فرصة ذهبية لبكين لتعزيز نفوذها وتحالفاتها في هذه المنطقة الحيوية لتأمين مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية. كما أكدت القمة على أن الصين تسعى إلى تكثيف استخدام أدواتها الاقتصادية والتجارية لملء الفراغات الاستراتيجية التي تركتها روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ماضية في طريقها نحو قيادة العالم إلى نظام متعدد الأقطاب .
# مقرر برنامج الدراسات الصينية بمركز الحوار للدراسات الساياسية والاعلامية .