محمد كمال قريش يكتب / هل باع الشعب الفلسطينى أرض الميعاد ؟
قال الجد:
محمد كمال قريش يكتب / هل باع الشعب الفلسطينى أرض الميعاد بيع شعبِنا لأرضه لم تكنْ إلَّا دعاية صهيونيَّة يا بني، كان شعارُها “أرضُ بلا شعبٍ، لشعبٍ بلا أرضٍ!!”.
قال الحفيد:
– “كيف يا جدي؟”
فقال الجد:
– “محاولة مِن اليهود لتبرير هجرتهم إلى أراضينا يا بني؛ فكانت أقوالهم: أنَّ هناك أراضٍ كثيرة ليس بها أحد، فما الذي يمنع هجرتهم إليها؟، وكانوا يرفعون شعارات عقائدية مثل: شعب الله المختار، وأرض الميعاد؛ لكي يكون تحركهم لعقيدتهم، لكنَّها لم تكنْ إلَّا وسيلة لشحن معنوياتهم، وترهيب، وإقناع العرب بمشروعِهم، وما إنْ وطئت أقدامهم تلك الأراضي التي يدعون أنها غير مأهولة، حتى وجدوها عامرة، وقاوم الأهالي على قدرِ ما استطاعوا، وأرسلوا إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني يستغيثون، والحق يُقَال، فعل الرجل ما قدر عليه، لكنَّ دولته كانت قد مرضت، وصحت دول أخرى، وسادت، مثل: بريطانيا وفرنسا، وتأزمت الأمور أكثر بسيطرة حزب الاتحاد والترقي على تركيا، وعزله للسلطان عبدالحميد الثاني، فلم يجد اليهود مَنْ يمنعهم مِن الهجرة إلى أراضينا، ووضع أيديهم عليها بالقوة”.
أحس الجد بعاصفةِ بكاء آتية مِن الماضي فصمت، فأسرع الحفيد وطلب منه أن يكمل، فقال بعدما ضغط زاويتي عينيه بإبهامه وسبابته:
– “وبسقوط الخلافة العثمانية، كان اليهود قد سيطروا على مساحات كبيرة من أراضينا، اشتروها من مُلَّاك لبنانيين، ومِن الإدارة العثمانية عن طريق المزاد العلني، والذي بيعت فيه أراضي الفلاحين، الذين لم يقدروا على دفع الضرائب، وأصبح وجودهم فيها واقعًا لا مفرَّ منه، خصيصًا بعدما دخلتْ “بريطانيا” أراضينا عام (1917) إلى عام (1948)؛ فإنَّ “بريطانيا” ما جاءت إلى فلسطين إلَّا لتنفيذ المشروع الصهيوني؛ لتتركَها لهم، وقد ثبتت أقدامَهم فيها. ولقد قاوم أجدادنا بكل قوتهم، لكنَّ الأمرَ كان أكبر من مقاومتهم، وللعلم يا ولدي، معظم الأراضي التي استولى عليها اليهود مُنِحَتْ لهم منحًا مِنْ قِبَلِ “بريطانيا”، أو عن طريق مُلَّاك كبار فلسطينيين كانوا يقيمون بالخارج، وقد منعتهم الحكومة البريطانية مِن الدخول لأراضيهم أو الاستثمار فيها. وقد ازدادت الكارثة ببيع الدولةِ العثمانية بعض الأراضي لعائلاتٍ لبنانية؛ لتوفير الأموال لخزينتها، وقامت تلك العائلات ببيعِها لليهود، وإنني لعلى علمٍ بأسماء تلك العائلات، لكنْ لا داعٍ لذكرِها”.
قال الحفيد باستنكار:
– “الدولة العثمانية ساعدت في احتلال اليهود لنا!!، وعائلات لبنانية!!”.
وأسرع الجد يقول:
– “مهلًا يا بني، فإنَّ الأمر كان أكبر من ذلك، صحيح يقع جزءُ مِن اللوم على الحكومة العثمانية، وبعض العائلات اللبنانية، لكنْ يجب أنْ تفهم أنَّ الحكومة البريطانية منعتهم من دخول تلك الأراضي، بحجة أنهم أجانب، بعدما فصلوا فلسطين عن سوريا ولبنان بعد اتفاقية سايكس بيكو المشئومة، والحدود التي وضعوها بيننا؛ فإنَّ المجرمتين بريطانيا وفرنسا اقتسمتا أملاك الدولة العثمانية المُتداعِيَة فيما بينهما، وضيَّقتا الخناق على أهالينا، ووضعوهم في ظروف قاسية فوق طاقاتهم، وراحا ينتزعَانِ حق الملكية منهم انتزاعًا، ويعطوه لليهود!!”.
كان الحفيد يصغي بانتباهٍ شديدٍ، وما إنْ توقَّف جده عن الحديث؛ لتتمكَّن الدموع التي ترقرقتْ في عينيه مِن الاختباء، حتى طلب منه أن يكمل، فقال بصوتٍ مخنوقٍ مِن الشعور بالقهرِ، وهو ينظر إليه:
– “والحق يُقَال يا بني: إنَّ القليل مِن الأهالي قد أغرتهم الأموال؛ وباعوا أراضيهم لليهود، وهذا أمر عادي؛ ففي كل دول العَالَم يوجد أمثال هؤلاء الخونة والجبناء، وقد تم احتقارهم ونبذهم؛ وقتل الكثير منهم. وبعد كل هذا، تكالب الدول علينا، وانهيار الدولة العثمانية وحلُّها، وضعف الدول العربيَّة، لم يحصل اليهود إلَّا على واحدٍ في المائة فقط مِنْ أراضينا على مدار سبعينَ عامًا مِنْ بداية الهجرة، وقد واجهتهم خلال ذلك مشقات وصعاب. وهذا إن دل؛ فإنما يدل على مدى حب أجدادنا لأراضيهم، وتشبِّثهم بها، ثم أتت الهزيمة المُوجِعَة التي لحقت بالجيوش العربيَّة في حرب (48)؛ فسيطر اليهود على سبع وسبعينَ في المائة مِنْ أراضينا، وأقاموا عليها الكيان المعروف حاليًا بدولة إسرائيل، أقاموه على أنقاض قرى فلسطينيَّة، بعد أن ارتكبوا الجرائم والمجازر في حق أهلها، وقاموا بتشريد وتهجير الناس المساكين بالقوة، أي: أنَّ الخسارة الحقيقيَّة لم تكن بتلك البيعات بغض النظر عن أسبابها، وإنَّما بسبب تفشِّي فيروس إسرائيل اللعين في الأراضي العربيَّة، والتي لم تسيطر فيها على أراضينا وحدها، بل على أجزاء مِنْ أراضي بعض الدول العربيَّة، ثُمَّ جاءتْ حرب (67)، واحتلَّ اليهودُ الضفة الغربيَّة، وقطاع غزَّة، والذي تحرَّرَ – ولله الحمد – عام 2005.