محمد كمال يكتب/ غرفة التحوّل

محمد كمال يكتب/ غرفة التحوّل
قرر عالم مجنون تجربة بعض أفكاره على ثلاثة شباب أصدقاء. وذلك بعدما تحرى عنهم جيدًا وتأكد من حبهم لبعضهم وإخلاصهم.
استأجر رجالًا واختطف الشباب وجمعهم محجوبي الأعين في غرفة واحدة، ليس لها نوافذ، وبابها حديد يفتح إلكترونيًا بشكل معقد. فارغة إلّا من ثلاثة كراسٍ جلدية أجلسوهم عليهم، وساعة كبيرة ذات عقارب ضخمة، وطاولة عليها مسدس، وشاشة عرض تعرض كلمات ثابتة لا تتغير: “اقتل الاثنين الآخرين قبل الساعة السادسة وسينفتح لك الباب فورًا لتخرج، وإلّا فسوف تظل محبوسًا هنا حتى تموت.”
لم يكونوا مقيدي الأيدي، وبمجرد خروج الرجال الذين اختطفوهم، وسماعهم صوت الباب يُقفل مع نغمة قفله، أزاح كل منهم العصابة التي تحجب عينيه، فرأى ثلاثتهم المسدس، والساعة، وتشير إلى الخامسة.. وقرؤوا الكلمات.
في البداية جعلتهم الدهشة يتأملون كل شيء في محيط الغرفة بصمت وذهول، ثم بدؤوا يتحررون من براثن تلك الدهشة وترك كل منهم كرسيه وراح يسير في الغرفة. الجدران سميكة، والباب يحبط أي فكرة تراودهم للخروج.
فجأة دوى صوت إطلاق نار، وصرخة أحدهم: “كان يجب قتلكما كي أخرج من هنااااا.”
تبادلوا النظرات وهم يعودون لكراسيهم، ثم نظروا إلى الساعة وقد صارت تشير إلى الخامسة وخمس دقائق. كان كل منهم يرى ملامح صديقه التي يعرفها، وابتسامة ذهول، وتساؤل في عينيه.
قال واحد منهم: أعتقد أن أحدهم يمزح معنا.
تبادلوا النظرات صامتين، واستمر الصمت حتى نظر أحدهم إلى الساعة وقال: إنها الخامسة والنصف. وقال آخر وهو ينظر إلى المسدس: مرت نصف ساعة!
ونظر الآخران إلى المسدس، ثم لصديقهما. وتُبودلت نظرات أشبه بالعدائية، لكنها لم تصل لذلك بعد. لكن كل منهم شعر في داخله بالارتباك، كأن أحدهم يعبث بمشاعره؛ إذ لم يعودوا يعرفون هل يحبون بعضهم حقًا أم لا.
بصمت قاتل، ونظرات باردة، صارت الساعة السادسة إلّا ربع. ومنذ دخولهم في الربع الأخير، وأحس كل منهم بأن الآخران يكرهانه، فبادلهما نفس الكره. ثم بدت ملامحهم عابسة غاضبة، وبدا الكره جليًا في عيونهم.
وبعدما مرت عشر دقائق، هبوا معًا باتجاه المسدس، يتنافسون على من يصله أولًا. كانت منافسة عادية، شد وجذب ودفع بالأيدي والأقدام، ثم تُبودلت اللكمات والركلات مع السباب، إلى أن استطاع أحدهم أن يصل إلى المسدس بينما الآخران يتعاركان على الأرض.
سمعا صوت تجهيز المسدس لإطلاق الرصاص فتوقفا عن العراك ونهضا واقفين. صوب صاحبهما الذي لم يعد كذلك المسدس إليهما ونظر إلى الساعة: تبقت دقيقتان. عيناه تطقان شررًا، ويكز على أسنانه، ثم تك تك تك….
لم يقتلهما؛ حيث لا توجد رصاصات في المسدس.
وعند السادسة، وهم ما يزالون على وقفتهم، سمعوا صوت نغمة، فتوجهت أنظارهم نحو الباب الذي بدأ يُفتح ببطء.
تحرك الاثنان نحوه منكسي الرأس، ولبث الذي يحمل المسدس لحظات ينظر إلى الأرض، ثم ترك المسدس يسقط وخرج خلفهما.
وكان العالِم، في غرفته، يُراقب ما يحدث خلف شاشته، عن طريق كاميرا صغيرة الحجم مُخفاة في الغرفة. فرأى الأصدقاء، يسير كل منهم.. في طريق مختلف!
فتح صفحة في حاسوبه وكتب: “الموت عدو الإنسان الأول، وحب النفس يميت المشاعر ويُبدل الطباع والأخلاق، والإنسان.. أضعف مما يمكن لأحد أن يتصور.”