أخر الأخبار

الأمن القومي العربي: الخط الأحمر الداكن لمصر  … ممنوع التجاوز

الأمن القومي العربي: الخط الأحمر الداكن لمصر  … ممنوع التجاوز

 

عزت ابو علي – صحافي لبناني

 

كانت جمهورية مصر العربية ولا تزال هدفاً للقوى الغربية والمتربصين بها، بغية إسقاط آخر الحصون المنيعة للوطن العربي في الشرق الأوسط.

 

ظهر ذلك جلياً عندما كشف رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو عن نواياه الخبيثة وخطته المُبيَّتة لتهجير سكان قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” باتجاه شبه جزيرة سيناء وجعلها وطناً بديلاً لهم.

 

أمرٌ أثار حفيظة القيادة المصرية التي أعلنت صراحة ولأكثر من مرَّة أن احترام مصر لالتزاماتها ومعاهداتها الدولية لا يمنعها من استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومي والحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

 

يكفي هذا التصريح لفهم وإدراك حقيقة ما يُحاك لمصر، التي تعلم تماماً أنَّ تصفية القضية الفلسطينية لن تصبّ في صالح أمنها القومي ولا في صالح الأمن القومي العربي الذي تسعى لتحقيقه منذ عقود طويلة من الزمن.

 

لماذا كل العيون تتجه نحو مصر؟

 

تقول حقائق التاريخ إنَّ مصر القوية تصب في خانة القوة العربية، فيما وهنها لا يعني إلَّا ضعف العرب، فهي التي قدَّمت الكثير لقضيتهم المركزية.

 

في العام 1948 تصدَّر الجيش المصري قوات الإنقاذ العربية التي دخلت لقتال العصابات الصهيونية، وفي العام 1956 شُنَّ العدوان الثلاثي عليها، لتُصاب بالنكسة في العام 1967 لكن سرعان ما نجحت من خلال حرب الاستنزاف باستعادة قوتها الرادعة وتتوج هذه الإنجازات بانتصار أكتوبر في العام 1973 وتحرير أراضيها المحتلة.

 

إبَّان نصر العام 1973 جنى العرب حصاد التضحيات المصرية، بات موقفهم في كل المحافل الدولية أقوى، وفرض الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات شروطه على الأعداء ليصل إلى “كامب دايفد”، ومن ثم يرفع خلفه الراحل محمد حسني مبارك العلم المصري فوق طابا المصرية، بعد مسيرة من الكفاح الطويل ضد “إسرائيل” ومن اصطف خلفها، بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

هذا العرض التاريخي يُثبت الحقيقة الوارد ذكرها بأنَّ قوة مصر ومناعتها تصب في خانة العرب، ففي لحظة نهوضها التي أزعجت العديد من دول العالم صُدِمَت بالإرهاب لإشغالها عن قضايا المنطقة ليدفع جيشها ثمناً غالياً من التضحيات للقضاء على بؤره أينما حلَّت في ظلِّ عدم تراجع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ذلك وهو العارف بكافَّة خفايا خيوط المؤمرات فالرجل قاد مخابرات جيشه الحربية قبل أن يتولَّى منصب وزير الدفاع ولاحقاً رئاسة الجمهورية.

 

التحرش بمصر استمر ولم يتوقف عند هذا الحدّ، من خلال دعم إثيوبيا لخلق مشكلة مائية لديها من خلال سدّ النهضة، ثمَّ بمخالفة “إسرائيل” كل القواعد عندما حاولت دفعها لردّ فعلٍ غير محسوب النتائج من خلال دخولها إلى محور “فيلادلفيا”، لكنَّ القاهرة لم تندفع خلف ذلك ولم تنجر إلى الفخ “الإسرائيلي” بل بقيت حكيمة في قراراتها وهي التي تُدرِك تماماً أنَّ السقوط في مستنقع الصراعات لا يُحقِّق إلا مصالح الأعداء.

 

وسط كل ذلك، وإزاء إفشال المؤمرات وجد العابثون بأمن البلاد أنَّ الأزمة الاقتصادية رُبَّمَا تُسعفهم في إحداث الفوضى التي يريدونها، هنا كان الشعب المصري مُدركاً لقرارات قيادته وأنَّ بناء البلاد والنهوض بها دونه صبر كبير لحصد النتائج مُستقبلاً.

 

مستقبلٌ لن ينعكس إيجاباً على مصر وحدها، بل، على العرب جميعاً، وهذا ما يوجب عليهم الوقوف إلى جانب مصر بمقدراتهم الضخمة تمهيداً لخروجها من أزمتها الاقتصادية، للتفرُّغ لحلِّ القضايا العربية التي أثقلت كاهلها لكن دون أن تملَّ من السيِّر في حقل ألغام الحلول.

 

قبل عشرة أعوام من اليوم قال الرئيس عبد الفتاح السيسي عبارته الشهيرة “حينما يتعرض الأمن القومي العربي لتهديد حقيقي ونستدعى فهي مسافة السكة”، في إشارة إلى سهولة إرسال قوات مصرية إلى أي دولة.

 

لم تكن العبارة مجرَّد كلام فقط، بل، رسائل في جميع الاتجاهات مصدرها القاهرة بأنَّ عقيدة الجيش المصري لم تتغيَّر خاصَّة في مجال في الدفاع عن الدول العربية، باعتباره أكبر جيش في المنطقة، خاصَّة وأنَّ أيَّة قوة عربية موحَّدة يَفرِضُ الواقع الحالي أن تكون مصر عامودها الفقري.

 

اشتعال الحرائق حول مصر أيضاً على حدودها مع السودان وليبيا تحديات إضافية لها، لذا تسارع إلى إغلاق هذه الملفات وختمها، والبحث عن حلول للأطماع في مياه البحر الأبيض المتوسط أمر يُضاف إلى مسلسل إرهاقها، لكنَّها رغم ذلك تمتص كل شيء لإدراكها أنَّها قطب القوة الإقليمي الأساسي في العالم العربي، وهذا ما يُفسِّر النداءات المتكررة للقاهرة بضرورة إعلاء مستوي الأمن القومي العربي على حساب المصالح الخاصة، ويدفعها إلى إعادة صياغة هذا المفهوم مرة أخرى عبر تحديد مصادر التهديد وكيفية مواجهتها، وإعادة النظر في أسس وقواعد التنسيق العربي،  خاصة وأنَّ أيَّ تهديد لأمن الخليج العربي حتى البحر الأحمر، ومن المشرق العربي  حتى مغربه على حدود المحيط الأطلسي، لن يكون تهديداً لدولة بحدِّ ذاتها بل للأمن القومي العربي برمَّته، والذي لن يتحقَّق إلَّا من خلال مصر “الدولة الكبرى القوية القادرة المُقتدرة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى