اليونسكو: رياض السنباطي.. الموسيقى المصري الوحيد الذي لم يتأثر بأى موسيقى أجنبية

رانيا البدرى
رياض السنباطى، ابن محافظة دمياط الذي جاء إلى الدنيا في 30 نوفمبر عام 1906م ليملأها طرباً، أُصيب في صباه المبكر بمرض في عينيه، ما دفع والده لتعليمه أصول التواشيح والغناء، وقريبًا من منزله بفارسكور، تعرف السنباطى على أحد صانعي آلة العود فكان أستاذه الأول، فبرع في عزف العود، ولم يعلم الطفل آنذاك أنه صادف أوفى أصدقائه الذي غنى له بعد ذلك أغنيته الشهيرة “على عودي أنام واصحي وليالي العمر دي شهودي.. عشقت الناس في ألحاني وكان في العشق ده خلودي”.
وخلال أواخر العشرينيات من القرن العشرين التقى السنباطى بأم كلثوم عند قرية في محطة قطار “درين” التابعة لمركز نبروه، كان كلاهما لا يزال يبدأ مشواره الفني الخالد، ولم يعلما حينذاك أن الأقدار ستجمع بينهما في أكثر من 90 لحن توزعت ما بين القصائد والأغاني العاطفية والدينية والوطنية التي تركت بصمتها في وجدان المصريين والعرب جميعًا. كانت أم كلثوم لا تزال تجول بثوبها البدوي بصحبة والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي تنشد في الأفراح وتحيي الليالي في القرى، وكان رياض يسير على الدرب نفسه معاوناً لوالده الشيخ محمد السنباطى.
نال السنباطى شهرة عريضة داخل المنصورة في تلك الفترة، واشتهر بلقب “بلبل المنصورة”، وبعد ذلك قصد القاهرة ليدرس في معهد الموسيقى العربية، وأمام لجنة موسيقية برئاسة مدير المعهد مصطفى بك رضا، أقر الجميع بأستاذية السنباطى، وعينوه في ذات اليوم أستاذا على آلة العود بالمعهد، وفجأة، تحول من جاء إلى معهد الموسيقى تلميذاً إلى أستاذ!.
ومع انطلاق أثير الإذاعة المصرية في 31 مايو عام 1934م، أصبح السنباطى من بين العناصر الفنية التي أضافت للإذاعة الوليدة إلى جوار أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وأسند له الموسيقار مدحت عاصم، مدير البرنامج الموسيقية بالإذاعة فقرة للعزف المنفرد على آلة العود.
ومن خلال لحن “على بلد المحبوب ودينى” للمطرب عبده السروجي، أحدث السنباطى طفرة في موسيقى الثلاثينيات، فبحثت أم كلثوم عن هذا الملحن الشاب الذي التقت به في لقاء عابر على محطة درين، فصار ملحنها الأول بلا منازع طيلة أربعة عقود، حتى قيل “إذا أردتم أن تكلثموا فسنبطوا”.
نشأت بين السنباطي أو “أبو الروض” كم كانت تناديه أم كلثوم حالة خاصة من الانسجام الموسيقي واللحني والغنائي، فكان السنباطي هو الموسيقار الأقرب لقلب “ثوما”، وصاحب نصيب الأسد من أعمالها؛ لأنه كان أكثر الموسيقيين فهمًا لطبيعة المقامات الصوتية لحنجرتها الذهبية، فيما كانت تراه مختلفًا عن باقي الموسيقيين لأنه كان يلحن معنى الكلمات، وليست الكلمات فحسب، ولقبته بـ”عملاق النغم”.
ولقد شدت أم كلثوم بروائع السنباطي، فغنت له القصائد الدينية مثل”نهج البردة، ورباعيات الخيام، وحديث الروح، إلى عرفات الله، سلوا قلبي، وُلد الهدى، الثلاثية المقدسة، تائب تجري دموعه ندما” وغيرها، ومن القصائد الوطنية “مصر تتحدث عن نفسها، مصر التي في خاطري”، ومن القصائد العاطفية”الأطلال، أراك عصي الدمع، سلوا كؤوس الطلا، ثورة الشك، من أجل عينيك، قصة الأمس، أقبل الليل”.
أما أغنيات السنباطي لأم كلثوم فهي أكثر من أن تُحصى، نذكر منها”عودت عيني، حيرت قلبي، ياللى كان يشجيك أنيني، سهران لوحدي، أروح لمين، ذكريات، يا ظالمني، دليلي احتار،غلبت أصالح في روحي، أقولك إيه عن الشوق، فاكر لما كنت جمبي، شمس الأصيل، طوف وشوف، الحب كدة، هجرتك، يا ليلة العيد، جددت حبك ليه، حسيبك للزمن، ليلي ونهاري، لسه فاكر، القلب يعشق كل جميل، وثوار”، وغيرها العديد والعديد من الأغنيات.
لقد ارتدت الأغنية والقصيدة العربية عبر ألحان السنباطى ثوباً ذهبياً لم ترتده من قبل، وكان في ألحانه تلك يركن إلى أصالة الموسيقى العربية دون انسياق إلى موجات التغريب، فكان يرى أن الموسيقى الشرقية فيها ما يكفى من المقومات التي تجعلها قائمة بذاتها، لذا فليس من العجيب أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” حين منحته جائزتها العالمية عام 1977م، قالت في بيانها إنه “الموسيقي المصري الوحيد الذي لم يتأثر بأي موسيقى أجنبية، وإنه استطاع بموسيقاه التأثير على منطقة لها تاريخها الحضاري”، وفي نفس العام حاز على الدكتوراه الفخرية في الموسيقى من أكاديمية الفنون.