إثنان لا يتعلمان حيي ومستكبر .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد إعلموا أنه ليس من الحياء أن يسكت الإنسان على الباطل وليس منه أن تعطل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا جبن وخور وضعف وليس من الحياء في شيء، فقال النووي رحمه الله ” وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتي إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق، وغير ذلك مما هو معروف في العادة. 

وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء، ولذا مما تنزه الله تعالي عنه الإستحياء من الحق مع أنه موصوف بالحياء كما سيأتي فقال تعالى ” إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ” وسببها أن المنافقين لما ضرب الله مثلهم “كمثل الذي استوقد نار ” وقوله ” أو كصيب من السماء ” قالوا الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله الآية الكريمة، وقال تعالي ” إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحيي من الحق ” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله لا يستحيي من الحق” رواه الترمذي. 

وليس من الحياء أن يمتنع الإنسان من السؤال عن أمور دينه، فالحياء يبعث على الخير ولا يصد عنه، ولذا مدحت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها ” رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ” رواه مسلم، فإذا لم يقدر الإنسان على السؤال لعذر يقتضي الحياء فعليه أن يرسل من يسأل له، أو يهاتف الشيخ أو يراسله، فإحذر من أن يصدك الشيطان عن سبيل العلم وسؤال أهله بإيهامك أن هذا من الحياء، واجعل قول إمامنا مجاهد رحمه الله منك على بال ” إثنان لا يتعلمان، حيي ومستكبر ” وإن لغياب الحياء عن ساحاتنا لمظاهر وخيمة وإن من أقبحها سيادة الفحش والعري والتفسخ وقد علمت أثر الحياء في التستر والإحتشام، ومما وصف به نبي الله موسى عليه السلام “أنه كان رجلا حييا ستيرا لا يُرى من جلده شيء إستحياء منه” رواه البخاري، 

والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه عثمان وكان بعضُ فخذيه باديا سوّى ثيابه” رواه مسلم، فإن الحياء خلق رفيع لا يكون إلا عند من عز عنصره ونبل خلقه وكرم أصله، فإن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة، فسمة الخير هو الدعة والحياء وسمة الشر هو القحة والبذاء وكفى بالحياء خيرا أن على الخير دليلا، وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا، وقد روى حسان بن عطية عن أبي إمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء والعي شعبتان من الأيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق ” رواه أحمد، ويصد بالعي سكون اللسان تحرزا عن الوقوع في البهتان والبذاء ضد الحياء وهو فحش الكلام والبيان فصاحة اللسان. 

والمراد به هنا ما يكون فيه أثما من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق ويشبه أن يكون العي في معنى الصمت والبيان في معنى التشدق، كما جاء في حديث آخر ” إن أبغضكم إلى الله الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ” وروى أبوسلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” الحياء من الأيمان والأيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى