رسول الله والصبر على جفاء الأعراب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد لقد ظهر من رسول الله صلي الله عليه وسلم الكثير من الصبر على جفاء الأعراب، وطمعهم في الأموال، وحرصهم على المكاسب، فكان مثالا للمربي الذي يدرك أحوالهم، وما جبلتهم عليه بيئتهم وطبيعة حياتهم من القساوة والفظاظة والروح الفردية، فكان يبين لهم ويطمئنهم على مصالحهم ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيما ولهم مربيا ومصلحا، فلم يسلك معهم مسلك ملوك عصره مع رعاياهم الذين كانوا ينحنون أمامهم أو يسجدون.

وكانوا دونهم محجوبين، وإذا خاطبوهم التزموا بعبارات التعظيم والإجلال، كما يفعل العبد مع ربه، أما الرسول صلي الله عليه وسلم فكان كأحدهم يخاطبونه ويعاتبونه ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد عنفهم القرآن على سوء أدبهم وجفائهم، وإرتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم للرسول صلي الله عليه وسلم، وقال أبو موسى الأشعري كنت عند النبي صلي الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبي صلي الله عليه وسلم أعرابي فقال ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان.

فقال رد البشرى، فاقبلا أنتما، قالا قبلنا ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال “اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا” فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ” فلما كان يوم حنين آثر رسول الله صلي الله عليه وسلم ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال فقلت والله لأخبرن رسول الله صلي الله عليه وسلم، قال فأتيته فأخبرته بما قال، قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف، ثم قال صلي الله عليه وسلم ” فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟”

قال ثم قال صلي الله عليه وسلم ” يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر” قال قلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا” فكان صلي الله عليه وسلم إذا خطب هز المنابر، وأيقظ الضمائر، وحرّك السرائر، وألهب السامعين، وأذهل المخاطبين، فلو أن للصخر عينا لبكت، ولو أن للجدار نفسا لخشعت، ولو أن للأيام أذنا لأنصتت، وكان إذا قاتل ثبت ثبوت الرجال، وتقدم تقدم السيل، وصمد صمود الحق، فكان لا يعرف الفرار، ولا يسمع بالهزيمة ولا يستسلم للإحباط، محيّاه باسم والغبار يملأ المكان، وقلبه مطمئن والرؤوس تعاف الأبدا، ونفسه ساكنة والنفوس شذر مذر على رؤوس الرماح، وطلعته ضاحكة والسيوف تخطّ بالدماء حروف الموت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى