محمد كمال قريش يكتب: الاعتياد وتأثيره على الذائقة والسلوك

الاعتياد يجعلك تتقبّل أشياء كنتَ ترفضها، بل وتشارك فيها. في البداية، كان اسم التطبيق “ميوزكلي”، ذاك الذي كان يعرض مقاطع قصيرة، معظمها لفتيات متبرّجات شبه عاريات يرقصن على الأغاني، تشمئزّ منه القلوب النقيّة. ثم تم دمجه مع تطبيق “تيك توك”، وتم تطويره ليصبح مربحًا وميسّرًا لانتشار من تتبرّج وتتعرّى أكثر.
صار الطريق إلى الشهرة والثراء واضحًا ومريحًا، بمقطع قصير تصوّره إحداهن فتعرفها الدنيا!
الشهرة مغرية، والثراء شهوة لدى البشر.
وكانت قلّة من الناس مَن ترضى بهما، حتى ولو على حساب أشياء لا تُقدّر بثمن. ومع مرور الوقت، كثرت تلك القلّة أكثر فأكثر، حتى انقلبت الموازين، وأصبح الذين يتمسّكون بأشيائهم التي لا تُقدّر بثمن قليلين، وصارت الغلبة لبائعي قيمهم وأنفسهم بالرخيص!
كيف حدث ذلك؟
أن تنقلب الموازين؟ بالاعتياد. لأن الناس تقبّلوا التطبيق، وصار دخولهم إليه لا يسبّب لهم الحرج.
من كان يتلصّص على الفتيات في التطبيق سرًّا، لم يعُد يرى في الأمر ما يُعيب، بل صار مدعاة للفخر؛ فمعظم الناس يدخلون عليه، حتى المشاهير من الفنانين، ورجال الأعمال، والرياضيين، والجهات والمؤسسات، حتى الدينية منها!
عندما أعلنت دار الإفتاء المصرية، عبر تطبيق فيسبوك، عن حسابها على “تيك توك”، تفاعل الجمهور مع المنشور بالضحك والسخرية، في تعبير واضح عن الاستنكار.
ثم، مع مرور الوقت… أصبح وجود دار الإفتاء على تطبيق للأغاني والرقص أمرًا عاديًا. فرآه الناس بمثابة اعتراف بالتطبيق، أو فتوى تُحلّل استخدامه!
صار الأمر هكذا:
عندما يحاور المرء نفسه: “أتستحرم وتستنكر الدخول إلى تيك توك؟ فما رأيك بدار الإفتاء ذاتها وهي تعلن صراحة عن وجودها عليه؟”
على مستوى الأفراد، لا الجهات والمؤسسات، وبفعل الاعتياد، لم يعُد الشخص يستحي من نفسه أو من غيره، لو كان إلى جواره أو في صحبته، حين يظهر فجأة مقطع لفتاة تتعرّى وترقص، وهو يتصفّح ويتقلّب بين المقاطع.
لقد فقدنا الكثير…
فقدنا الكثير من الأشياء التي لا تُقدّر بثمن. تغيّرت الأخلاق، وتبدّلت الطباع والقناعات. مبادئ راسخة تمّ زعزعتها، وثوابت تمّ خَلخلتها، حتى ظهر الأثر جليًّا في الواقع.
لم تقتصر تلك الخسارة الفادحة على مواقع التواصل، سواء في الخلوات أو على مرأى ومسمع من الناس، بل طالت الشوارع.
ظهرت قصّات غريبة، وصبغات شعر كانت تُرى سابقًا فقط في ملاعب كرة القدم، وصارت الآن مشهدًا مألوفًا. وملابس قصيرة، ضيّقة، وممزّقة.
حتى الأرياف، التي كانت إلى حدٍّ كبير تحتفظ شوارعها ببعض القيم، لم تَعُد تختلف عن المدن.. بل ربما أسوأ.
ما نألفه من قبح، تجمّله الأيام لنا!