قيمة العمل وتجنب البطالة والمسألة .. الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله علم وألهم، وبصر وفهم، وهدى للتي هي أقوم، والشكر له على ما أجزل وأنعم، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من آمن به وله أسلم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، النبي المصطفى، والمجتبى الأكرم، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه سادة الأمم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم، أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، جاوروا من يخاف الله، وشاوروا ذوي الرأي، وصاحبوا العقلاء، واتخذوا من الصالحين أخلاء، اجبروا الخواطر، وراعوا المشاعر، ولا تؤذوا أحدا، فالدنيا لا تدوم ولسوف ترحلون، ويبقى الذكر والأثر، واعلموا إن الإسلام دين العمل والعطاء والريادة في شئون الحياة الدنيا، والمؤمن قائم يسعى ويعمل.
ليدرك خير الآخرة والأُولى تحقيقا لأمر الله سبحانه وتعالى، وما خوطبت أمة بضرورة الإهتمام بالعمل قدر ما خوطبت أمة الإسلام، وقد ذلل الله تعالى الأرض لبني آدم ليكتنزوا ثرواتها بالعمل والجد، وذلل البحر إمدادا بالخيرات للطعمة والحلية وجريان السفائن موقرات مع بقية صور الانتفاع والعمل، ولقد كان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه إلى العمل ويجنبهم البطالة والمسألة، فإذا جاء أحدهم إليه صلى الله عليه وسلم يسأله مالا، وكان قويا على العمل وجهه إلى العمل وحثه عليه، وبيّن له أن العمل مهما كان محتقرا في أعين الناس فهو أشرف للإنسان من التسول والمسألة، ومما يروى في ذلك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال ” أما في بيتك شيء؟ قال بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء،
قال ائتني بهما، قال فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا، قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، واخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال اشتري بأحدهما طعاما فأنبذه إلى أهلك، واشتري بالآخر قدوما فأتني به، فأتاه به، فشد فيه صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع” رواه أبو داود والترمذي
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المجتمع كله في العمل، لا يأنف من أي عمل يدوي يقوم به ما دام مشروعا وذلك في زمان قد أنف فيه كثير من الأحرار أن يعملوا لأن ذلك حرف العبيد لديهم، ففي صبا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد خرج في رحلات متتابعة للتجارة في مال السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وقبلها كان يخرج في رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن أو الشام مع عمه أبي طالب، وقد رعى الغنم في مكة قبل بعثته المباركة، وقال في ذلك ” ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ” فقال أصحابه وأنت؟ فقال نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ” رواه البخاري، وفي بناء المسجد النبوي الشريف تتجلى قيمة العمل في الإسلام حيث يقوم رأس الدولة ذاته بالعمل في البناء وبذل الجهد بيده ولم يتخذ له حجابا ولا عليّة من دون البناة وحمال الحجارة.
بل كان يحمل معهم فلما رأى الأصحاب ما لا مثيل له في قيادات البشرية قالوا ” لئن قعدنا والنبي يعمل، لذاك منا العمل المضلل ” وكذلك في غزوة الأحزاب كان يمسك المعول بيده الشريفة ويفتت به الحجارة الصماء في شق الخندق، وكان الصحابة الكرام يرون الغبار على جلدة بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم، وفي بيته المبارك حيث تنزلات الملائكة وأنوار العبادة تتجلى قيمة العمل في الإسلام كما روى عروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه سأل خالته ام المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بقوله ” فلت لعائشة يا أم المؤمنين أي شئ كان يصنع رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟ قالت ما يفعل أحدكم في مهنة أهله يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه ” رواه ابن حبان.