الدكـــروري يكتب: إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره، من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه، كتب الفلاح لمن إتبعه وإحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير والكثير عن أمهات المؤمنين، وإن من مناقبهن العامة هو أن الله تعالى أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن، فقال تعالى ” ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ” ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحا.
فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين، وأعد الله لها في الآخرة عيشا هنيئا في الجنان، وقال الحافظ ابن كثير في قوله تعالي ” نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ” أي في الجنة فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعاى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش ” وكما أن من المناقب التي شرفهن بها رب العالمين وأخبر بها عباده في كتابه العزيز أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة حيث قال الله تعالى ” يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ” فقد بين المولى جل وعلا في هذه الآية أنه لا يلحقهن من نساء الناس في الشرف والفضل، كما بين أن هذا الفضل إنما يتم لهن بشرط التتقوى.
لما منحهن الله تعالي من صحبة الرسول صلي الله عليه وسلم وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن، وكما أن من مناقبهن أن الله أخبر أنه طهرهن من الرجس تطهيرا، ولكن هل أزواج النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم مجاملة من الله تعالي ؟ وهل هذه محاباة من الله لرسوله ؟ وهل هن اللاتي فرضن هذه الأمومة على المؤمنين بسبب قربهن من رسول الله ؟ والحق أنهن لم يتطلعن يوما من الأيام للحصول على هذه الميزات بسبب إرتباطهن بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصلة الزواج، ولكن الله تعالي وحده هو الذي من عليهن بهذا الفضل وفرض هذه الأمومة وقررها على جميع المؤمنين فقال تعالى ” النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ” وفي هذه الآية يتقرر شيئين، فالأول هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، والامر الثاني وهو أن زوجات النبي رضي الله عنهن هن أمهات للمؤمنين، فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويعممها على جميع المؤمنين، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدي، ولكن قبل الخوض في بيان هذه الحقوق فإننا يجب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك التكريم لهن رضي الله عنهن لم يكن ليستقر تاجا فوق رؤسهن إلا بعد أن نجحن فيما اختبرن به من أوامر.