وبرزت الجحيم للغاوين .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما ” إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما” فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير والكثير عن يوم القيامة وأهوال يوم القيامة، فيقول الله تعالى ” وبرزت الجحيم للغاوين ” أي أظهرت وكشف عنها، وبرزت واستعدت بجميع ما فيها من العذاب ” للغاوين ” الذين أوضعوا في معاصي الله تعالي وتجرأوا على محارمه وكذبوا رسله وردوا ما جاءوهم به من الحق.
ومن أوصاف إتيانها هو أنها تأتي أهلها بغتة، فتبهتهم وترعبهم وتفزعهم، كما قال تعالى ” لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ” وقال ابن كثير رحمه الله” بل تأتيهم بغتة ” أي تأتيهم النار بغتة، أي فجأة فتبهتهم أي تذعرهم فيستسلمون لها حائرين، لا يدرون ما يصنعون، فلا يستطيعون ردها، ليس لهم حيلة في ذلك ولا هم ينظرون، ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة، فإذا جيء بجهنم يتذكر الإنسان فيتعظ ويتوب وهو الكافر “وأنى له الذكرى ” وقال الإمام الزجاج يظهر التوبة ومن أين له التوبة ؟ وأنى له الذكرى أي ومن أين له الإتعاظ والإنتفاع والتوبة وقد فرط فيها في الدنيا فقد فات أوانها، وذهب زمانها، ويقوم على النار ملائكة، خلقهم عظيم وبأسهم شديد.
لا يعصون الله الذي خلقهم، ويفعلون ما يؤمرون، وعدتهم تسعة عشر ملكا، كما قال تعالى ” عليها تسعة عشر ” وقد فتن الكفار بهذا العدد، فقد ظنوا أنه يمكن التغلب على هذا العدد القليل، وغاب عنهم أن الواحد من هؤلاء يملك من القوة ما يواجه به البشر جميعا، وقال الإمام إبن رجب والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين إغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته، وهؤلاء الملائكة هم الذين سماهم الله بخزنة جهنم في قوله تعالي ” وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ” ومالك خازن النار، كما قال سبحانه وتعالى ” ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون ”
أما قعرها وعمقها فجهنم قعرها بعيد، وقد خطب عتبة بن غزوان فقال صلي الله عليه وسلم ” إنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ” رواه مسلم، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار” وفي لفظ ” يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب” وكما روي الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا” وكان عمر رضي الله عنه يقول ” أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها من حديد ” والنار دركات متفاوتة في شدة حرها، وما أعده الله تعالي من العذاب لأهلها، فليست درجة واحدة.
وقد قال تبارك وتعالى ” إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ” فالمنافقون لهم النصيب الأوفر من العذاب، لغلظ كفرهم، وتمكنهم من أذى المؤمنين، فالنار دركات بعضها أسفل من بعض، وعذابها متفاوت بعضه أشد من بعض، وعلى هذا فمنازل أهل النار متفاوتة بتفاوت دركاتها، وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن النار ” منهم من تأخذه النار إلي كعبيه ومنهم من تأخذه إلي ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلي حجزته، ومنهم من تاخذه إلي ترقوته ” والحجزة هي مقعد الإزار.