قصة الملك مع البازي .. الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

 

الحمد لله خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، أحمده سبحانه على كل فضل وأشكره على كل نعمة، وأتوب إليه وأستغفره إعلانا وسرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء خبرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وقدرا، وأوصلهم رحما وبرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن الإيمان أعظم نعمة وأكرم عطية يكرم بها الله تعالى عبده، فهو النور الذي يشع ضياؤه في القلب، فيورثه وجدا وقربا من الله، وأنسا به ورضاء عنه، ويقذف في الفؤاد لذة وسعادة، قال عنه بعض العارفين لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف، ويقول ثاني إنه لتمرّ بي أوقات يرقص فيها طربا.

ويقول ثالث إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، فإنها بشاشة الإيمان إذا خالطت القلب، ترفع صاحبها إلى مصاف الملائكة الأطهار، وتجعله يفنى عن جميع ملذات الجسد، فلا يخفق قلبه إلا بحب الله ورسوله، والشوق إلى لقاء ربه، والأنس به، وهذا أمر لا يصدق به إلا من ذاقه، فإنما يصدقك من أشرق فيه ما أشرق فيك، وسبيل تحصيل الإيمان الالتزام بشرع الله تعالى ظاهرا وباطنا، والإكثار من العبادات والقربات من ذكروصلاة وصيام وغير ذلك، فلا يخفى أثر العبادة على قلب ابن آدم، وقال صلى الله عليه وسلم لبلال “أرحنا بها” أي بالصلاة، وقال أيضا “وجعلت قرة عيني في الصلاة” 

وقال أيضا ” ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفربعد أن أنقذه الله منه” ويحكى في القصة الرمزية أن ملكا قال للبازي الذي يملكه لقد مللت من قصري وما حولي، وأنت تطير وتحلق وترى من جمال البلاد ما لا أرى، فخذني إلى أجمل مكان على وجه الأرض، وانطلق البازي يتبعه الملك وحاشيته، فمر بهم البازي على حدائق غناء رائعة الخضرة والجمال ولم يقف فيها، فقال الملك لا بد أنه يقودنا إلى مكان أجمل، ثم مر بهم على شواطئ البحار ذات الحسن والإبهار لكنه أيضا لم يقف، فزاد تعجب الملك ومن معه، ثم مر بهم على المدن شاهقة الأبنية فائقة التصميم والإنشاء.

لكنه أبدا لم يقف، حتى خرج الصحراء ومشى في قفارها طويلا، ثم رأى جبلا عظيما فحلق فوقه، وصعد خلفه الملك وحاشيته، حتى إذا بلغ البازي قمة الجبل قال أيها الملك، ها هنا أجمل بقاع الأرض وعندها جن جنون الملك وصرخ في البازي متعجبا مستنكرا قائلا “مررت بنا على الحدائق الغناء ثم على الشواطئ البديعة ثم عبرت بنا المدن الرائعة ثم ها أنت تأخذنا إلى الصحراء القاحلة المحرقة وتقول عن قمة جبل مهجورة موحشة أنها أجمل بقاع الأرض؟ فكيف ذلك؟” وعندها أجابه البازي بكلمة واحدة فسرت كل شيء “هذا مكان ولدت فيه” وحب الأوطان وكراهية مفارقتها فطرة أدركها حتى الشيطان فحاول إستغلالها. 

لصد الناس عن الهجرة في سبيل الله، فعن سبرة بن أبي فاكه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر” رواه النسائي، وتروي كتب التاريخ أن معاوية تزوج امرأة من البادية اسمها ميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبية، فأسكنها الخضراء بدمشق، فأقامت عنده مدة، ثم حنت إلى وطنها فانطلق لسانها بشعر تمدح فيه وطنها، وسمعها معاوية فطلقها وردها إلى أهلها، وذلك بعد ما ولدت يزيد بن معاية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى