مريم حنا تكتب طفولة مسلوبة

وكالة أنباء آسيا

طفولة مسلوبة 

أذكر جيداً تلك الليلة الغبراء، بينما كنتُ ألعب وسط قريناتي من الفتيات الصغيرات، كنا متشابكات الأيدي ندور حول دائرة وهمية أسميناها وردة، كنا نضم أيدينا وأجسادنا الغضة ثم نتباعد على قدر اتساع أذرعنا القصيرة مرددين بابتهاج “فتَّحي ياورة.. غمضي ياورة” .

جذبتني أمي بعنف وأدخلتني البيت و عنفتني، قائلةً: ألم تنظري إلى جسدك؟ ألم تعي التغيير الطارئ عليه؟ لم أفهم ما تقصده، نظرتُ إلى جسدي ثم لها نظرة بلهاء تفضح جهلي بما تقول.

مَررتْ يدها بشكل خاطف على صدري قائلةً .. هذان النهدان لم يعودا لطفلة صغيرة، أنتِ الآن في عِداد البالغات، كفي عن اللعب في الشارع، ماذا سيقول عريسك إذا ما رآكِ تلعبين وتركضين كالبلهاء في الشارع؟! كيف سيكون موقفه إذا ما لاحظ ترجرج جسدك صعوداً وهبوطاً أثناء الركض والقفز؟ صعقتني كلمة “عريسك” وما تلاها من كلمات غريبة على مسامعي ك “النهدان ، والبالغات، وترجرج “ولم أستوعبها جيداً. 

فجأة دخلت بيتنا امرأة غريبة الهيئة، خشنة الملامح، ضخمة البنية، متشحة بالأسود من رأسها إلى أخمص قدمها، هللتْ أمي لرؤيتها ورحبت بمجيئها، وهمست لها بشيء اصطحبتني على أثره تلك المرأة المخيفة إلى غرفة نومي، وفور ولوجنا الغرفة أغلقت الباب، وجردتني من ملابسي، وأخرجت من بين طيات ملابسها كيساً شفافاً به شيئاً داكناً لم أدر ما كنه، لحقت بنا أمي في الغرفة ومددتني على سريري دون أية مقدمات، أمسكتني من ذراعيَ بقوة شالةً حركتي، أما المرأة المخيفة فقد أبعدت بين فخذيَ، هنا وفي تلك اللحظة استشعرتُ الخوف، رأيتُ في يد المرأة المخيفة موسىً جديداً أخرجته للتو من علبته، وبحركة فجائية انهالت على ما بين فخذي، شعرت بموسها يقطع جسدي إرباً، صرختُ من فرط الألم فلم ترحمني، حتى أمي شاركتها في تعذيبي وكأنها نسيت في تلك اللحظة أني ابنتها، مرت دهور وأعوام وأنا تحت سن الموسى الحامي حتى أنهت المرأة المخيفة مهمتها وتركتني هي وأمي جثة هامدة لا حول لي ولا قوة.

كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها وجه تلك المرأة، وبعد أسبوع وما لبثتُ أن أتماثل للشفاء من جرحي من تلك المرأة الشريرة إلا وأراها أمامي في بيتنا للمرة الثانية. صرخت بشكل هستيري دون أن تقترب مني، تفاجأت أمي بصراخي فأرادت طمأنتي بأن ضمنتي لصدرها وربتت على ظهري قائلةً لي بعض الكلمات المطمئنة.

قالت لي أمي لا تخافي من خالتك نبوية هي لم تفعل لكِ شيئاً مؤذياً هي فعلت معك ما يجب فعله مع كل البنات حين تصل سن البلوغ، عاودت أمي نطقها لكلمات جديدة على مسامعي، لكني لم أحاول سؤالها عما تقصد. 

قالت لي أيضاً أن الخالة نبوية أتت اليوم لتحممك! نظرتُ متعجبةً ولسان حالي يقول.. هل أحتاج للحموم من امرأة غريبة عني كهذه؟! فاسترسلت أمي موضحةً : “حمام العروسة” يبدو أن أمي تحتفظ بقاموس جديد ملئ بالمصطلحات العجيبة! تساءلتُ: أي حمام وأي عروسة؟! فلم أفطن للمقصد إلا بعد دخولي غرفتي التي أصبحت تشهد في الآونة الأخيرة كل عذاباتي المتتالية! 

أما المرة الثالثة التي رأيتُ فيها المرأة المخيفة فكانت في اليوم التالي لليلة “حمام العروسة” حين ألبسوني الفستان الأبيض والطرحة البيضاء ووضعوا لي مساحيق التجميل وحلوا صفائري، وصففوا لي شعري بعناية، ثم وضعوا ذراعي الصغير في ذراع ذلك الرجل الذي يبدو من هيئته الضخمة وشاربه الكث أنه في عمر أبي أو يزيد، سحبني ذو الشوارب إلى بيته، وأدخلني معه غرفة صغيرة والتي رغم طلاءها الذي يبدو أنه حديث إلا أن الغرفة بدت لي كئيبة، وشعرت أن هوائها الحار يجسم على صدري، دخلتْ معنا المرأة المخيفة وللمرة الثالثة تجردني من ملابسي وبدون استخدام موسىً شعرت بأصبعها في نفس مكان حادثة الموسى يشقني نصفين، دارت بي الغرفة وتصبب مني العرق وسمعت ذو الشوارب يصرخ: ما كل هذه البركة من الدماء؟! قالت المرأة المخيفة: إنها تنزف، ستموت البنت، البنت ستموت، 

ثم لم أسمع شيئاً .!

من مجموعتي القصصية “الأرواح المتشابهة” إصدار المكتبة العربية للنشر والتوزيع ٢٠١٨ م .

 تحياتي/ مريم حنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى