القلب الذي لا يخاف إلا الله … بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــرورى

القلب الذي لا يخاف إلا الله … بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــرورى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد إن من أهم أسباب الحياة الطيبة دوام الذكر، فالذكر طمأنينة للقلب، أمان للنفس، حفظ لها من الشرور، والقلب الممتلئ بذكر الله قلب قوي، لا يخاف غير الله، ولا يخشى أحدا إلا الله لأنه يستشعر دائما معية الله ونصرته، فهو سبحانه القائل في الحديث القدسي “أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت بي شفتاه” رواه أحمد، ومن أسباب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة هو هداية الله للعبد إلى التوبة والاستغفار كلما أصاب ذنبا أو همّ بمعصية، وسر الحياة الطيبة هو القناعة بالرزق والرضا بما قسم الله.
يجلي هذا المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا” وقال صلى الله عليه وسلم ” قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه” رواه مسلم، وإن التطلّع إلى زهرة الدنيا تتقلب في أيدي الناس تورثك همّا ينغص عيشك، وغمّا يكدّر حياتك، إن أهم أمر يسبب نكد حياة كثير من الناس في هذه الأيام عدم الرضا بما أوتوا، كل منا ينظر إلى ما أوتيه من هو فوقه مالا ومنصبا، وهذا الحديث الصحيح يرشد إلى منهج سديد بقوله صلى الله عليه وسلم “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” رواه الترمذي، إنه مهما قلّ مالك وساءت حالك أحسن من آلاف البشر ممن لا يقلّ عنك فهما وعلما وحسبا ونسبا.
وإن الحياة قصيرة، فلا تسلمها للهموم تفسدها، وللأقدار تقتلها، وقد قال أحدهم “راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام” وإن إضفاء مسحة من الأمل في المستقبل والتفاؤل في الحياة يغمر القلب بالبهجة، ويعمر الحياة بالسرور، ليهنأ المسلم في عيشه، ويغدو مسيح الآلام فسيح الآمال حسن الظن بالله، تزهو الحياة وتطيب باصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، قضاء حوائج الناس، إدخال السرور عليهم، المشي في حوائجهم، تتلذذ أيها المسلم بحياتك وتشعر بالحبور حين تدخل على قلوب البؤساء والضعفاء السرور، نعم، تسري في كيانك السعادة، وأي سعادة؟ بل وما أعظمها من سعادة.
وإن أفكارك الخيرة ترسم مسارك، وأعمالك النافعة تبهج أيامك، ومن سما بأفكاره سما بحياته، فتغدو مضيئة طيبة مرحة مستبشرة، ذلك أن الأفكار السّميى تبعث في الحياة الروح، والأهداف النبيلة تجعلك تحلق في أجواء بعيدة عن الأنتان، واعلموا يرحمكم الله إن اجتماع الهموم كلها على مرضاة الله تطيب الحياة وتجعل في القلب حياة وهي أنس بالمحبوب، ومن تشعبت به همومه عذب بها فأهلكته، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم “من جعل الهموم همّا واحدا همّ المعاد كفاه الله همّ دنياه، ومن تشعّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أيّ أوديته هلك” رواه ابن ماجه، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى “وأي حياة أطيب من حياة من اجتمعت همومه كلها وصارت همّا واحدا في مرضاة الله تعالى.
ولم يتشعّب قلبه، بل أقبل على الله، واجتمعت إرادته وأفكاره على الله تعالى، فصار ذكره لمحبوبه الأعلى وحبه والشوق إلى لقائه والأنس بقربه هو المستولي عليه، وعليه تدور همومه وإرادته وقصوده بكل خطوات قلبه، فإن سكت سكت لله، وإن نطق نطق بالله، وإن سمع فبه يسمع، وإن أبصر فبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي، وبه يتحرّك، وبه يسكن، وبه يحيى، وبه يموت، وبه يبعث”.