الدكروري يكتب: قالوا ربنا الله ثم استقاموا

الحمد لله برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، يقول الله تعالى “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” أى أخلصوا العمل لله، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها، وعن سعيد بن نمران قال، قرأت عند أبي بكر الصديق رضى الله عنه هذه الآية. 

“إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” قال رضى الله عنه هم الذين لم يشركوا بالله شيئا، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما تقولون في هذه الآية “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا”؟ قال فقالوا “ربنا الله ثم استقاموا” من ذنب، فقال لقد حملتموها على غير المحمل “قالوا ربنا الله ثم استقاموا” فلم يلتفتوا إلى إله غيره، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” على شهادة أن لا إله إلا الله ، وكذلك تلا عمر بن الخطاب رضى الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال “استقاموا” والله، لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب، وعن ابن عباس “قالوا ربنا الله ثم استقاموا” على أداء فرائضه، وكان الحسن يقول “اللهم أنت ربنا، فارزقنا الاستقامة” وقال أبو العالية” ثم استقاموا” 

أى أخلصوا له العمل والدين، وقيل أن رجلا قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال ” قل آمنت بالله، ثم استقم ” قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه” رواه النسائى، وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به قال ” قل ربي الله، ثم استقم ” قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه، ثم قال ” هذا ” رواه الترمذي وابن ماجه، وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال ” قل آمنت بالله ، ثم استقم ” وقوله تعالى ” تتنزل عليهم الملائكة” وهو يعني عند الموت قائلين “ألا تخافوا” أى مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ” ولا تحزنوا” أى على ما خلفتموه من أمر الدنيا، من ولد وأهل، ومال أو دين، فإنا نخلفكم فيه. 

” وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون” فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير، وإن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان ” وقيل إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم، وعن جعفر بن سليمان قال سمعت ثابت قرأ سورة ” حم السجدة ” حتى بلغ قول الله تعالى “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة” فوقف فقال بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا، فيقولان له لا تخف ولا تحزن “وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون” قال فيؤمن الله خوفه، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين لما هداه الله، ولما كان يعمل له في الدنيا، وقال زيد بن أسلم يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث.

وقوله تعالى ” نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة” أى تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياءكم، أى قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم، وقوله تعالى ” ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم” أى في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس، وتقر به العيون “ولكم فيها ما تدعون” أى مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم، أى كما اخترتم، وقوله تعالى” نزلا من غفور رحيم” أى ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم، رحيم بكم رءوف، حيث غفر، وستر ورحم ولطف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى