مصطفى أحمد يكتب ” أقبل ولا تخف “

( أقبل ولا تخف )
” يعتصر قلبه ألما عندما لا يستطيع الذود عن كرامته ،يشعر كأن سكينا باردة تمزق أحشاءه ، يكاد يبكي حرقة وغيظا ، لا تسطيع القول أن به مرض نفسي فهو يتخطى ذلك الحد بكثير فمريض ( البارانويا ) مثلا يشعر أن الناس يطهدونه ويتآمرون عليه لكن هذا المسكين إذا انتهكت كرامته ظلما يشعر و كأن جميع المخلوقات قد اتحدت ضده ،
الماء ليس عذبا في فمه والهواء يخنقه مثل الدخان يدخل رئتيه يلوثهما، والطعام يبدو له مسليا وليس شهيا يتناوله بإفراط حتى لا يستطيع التنفس فيقعد كسلا عن كل شيء لا يستطيع الحراك من شدة خمول الجسد والفكر ، وبعد أن كان إنتاجه الفكري ضئيلا أصبح منعدماً تماما وأصبح فكره خاويا من أي جديد ،
هو بذلك ينتقم من نفسه بدلا من أن ينتقم ممن أهانه ،
يعاقب نفسه على ذنب ارتكبه غيره في حقه ولا يعرف لماذا ، في الحقيقة هو يجبن كثيرا عن الأذى حتى لو كان هذا الأذى رد فعل طبيعي وجزاء من جنس العمل لمن أساء إليه، يجد في الإنتقام لنفسه صعوبة بالغة، ربما لأنه يخشى عواقبه أو لأنه يخاف الطغيان ويتجنب الإنزلاق إلى قسوة القلب ،
ولكن ما يفعله في حق نفسه أيضا له عواقب وخيمة، يورثه مزيدا من السلبية واللامبالاة ، يجعله أجوف القلب و يقيد حركته ويقتل الحماس بداخله ، يتطرف إلى جانب آخر من الهلاك ، هو في أمس الحاجة إلى الوسطية ، يحتاج إلى أن يأخذ قراراته بإيمان ويقين ، يتمهل لكن لا يتردد ، يندم قليلا إذا أخطأ لكن
لا يتحسر ،
الوسطية عقيدة ، والعقيدة ليست لُقَطَةً يجدها الإنسان مصادفة فيضعها في جيبه لتصبح ملكه إنما هي بناء يحتاج إلى مؤونة ومعونة إلى زاد وعتاد، وإن اكتملت
لديه تلك العقيدة المتماسكة ، وضع عن نفسه عناء التجربة وشقاء الريب واستراح من الهرولة بين أرجاء التطرف ومن هنا فقط سوف يستحق النداء :
” أقبل ولا تخف .. “
م . أ