تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد إن من الوسائل المعينة على التقوى هو مراقبة الله والإكثار من ذكره وخوفه ورجائه، والإلتزام الكامل بالإسلام عقيدة وشريعة، وصدق الإقتداء والإنتماء لهذا الدين ولسلف الأمة، وكذلك العلم ” إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء ” وصحبة الأخيار والابتعاد عن جلساء السوء كما قال صلى الله عليه وسلم ” مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير” رواه البخاري ومسلم، وقراءة القرآن مع التدبر والإعتبار والعمل حيث يقول تعالي ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون” وقوله جل وعلا ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”
وكذلك المحاسبة وإستشعار عظمة الله جل وعلا والوقوف بين يديه والخلوة كالاعتكاف ونحوه، وأيضا البعد عن الموبقات من الشهوات والشبهات وقطع أمل النفس في ذلك، والله لو أن القلوب سليمة لتقطعت ألما من الحرمان، ولكنها سكرى بحب حياتها الدنيا وسوف تفيق بعد زمان، فقال ابن القيم رحمه الله فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا لتقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، وظهرت الأمور، فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة، ولك الخيار، فالفرق بيننا وبينهم أن الكلمات القليلة البسطية تذكرهم وتبكيهم ونحن نسمع الزواجر والروادع مرات مرات ولا يتغير الحال، وقيل أنه أراد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يضرب غلاما له على خطأ أخطأه، فقال له الغلام يا عمر اتق الله.
فقال له الغلام يا عمر اتق الله يا عمر، واذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة، قال فبكى عمر ولم يتوقف بكاءه إلا عندما سمع المنادي يناديه، وهو في ساعات إحتضاره وهو يقرأ عليه ” تلك الدا الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” فأما تبكيك الذنوب؟ وأما يبكيك تجرأك على علام الغيوب ؟ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكي على خطيئتك” فإبكي قبل أن تشهد عليك الجوارح والأركان، وإبكي قبل أن تقف في ذلك الموقف العظيم ثم يقررك الملك العلام، ويقررك بذنوبك فيقول لك أتذكر ذنب كذا ؟ أتذكر ذنب كذا ؟ وأنت لا تجد مفرا من السؤال، وإبكي قبل أن يسألك ربك؟ ألم تكن تظن أني أراك وأنت تعصاني ؟
أما استحييت مني وأنت تختبأ عن أعين الناس وتنساني؟ فإبكي فإن العبد إذا بكى بين يدي سيده رحمه، وإبكي فإن العبد إذا بكى بين يدي سيده رحمه، وإبكي فإن الطفل إذا بكى رحمته أمه، وربنا أرحم بنا من إمهاتنا، بل حتى من أنفسنا، وقد وعظ مالك بن دينار يوما فتكلم فبكى حوشب وكان في العبّاد عارفا وعن الدنيا عازفا فضرب مالك بيده على منكبه أي على منكب حوشب وقال ابكي يا أبا بشر، ابكي يا أبا بشر، وكانت هذه كنيته، إبكي، فقد بلغني أن العبد لا يزال يبكي حتى يرحمه سيده فيعتقه من النار، فاللهم احشرنا في زمرة الأمناء وأعنا على أداء الأمانة، اللهم هيئ للأمة أمناء يحملون عبء نصرها، فتنصرهم ومسؤولية صلاحها فتعينهم، اللهم إنا نسألك كريم الأخلاق وأن نكون من الأقربين يوم القيامة من رسولك ونبيك عليه الصلاة والسلام بحسن أخلاقنا، اللهم أنت القادر على ذلك، اللهم آمين، نستغفرك ونتوب إليك، فإنك أنت التواب الرحيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.