الدكـــروري يكتب/ النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ثم أما بعد، إن الإسلام يكره الخيانة، ويحتقر الخائنين الذين ينقضون العهود، ومن ثم لا يحب للمسلمين أن يخونوا أمانة العهد في سبيل غاية مهما تكن شريفة وإن النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، ومتى إستحلت لنفسها وسيلة خسيسة، فلا يمكن أن تظل محافظة على غاية شريفة وليس مسلما من يبرر الوسيلة بالغاية، فهذا المبدأ غريب على الحس الإسلامي والحساسية الإسلامية.
لأنه لا إنفصال في تكوين النفس البشرية وعالمها بين الوسائل والغايات وإن الشط الممرع لا يغري المسلم بخوض بركة من الوحل فإن الشط الممرع لابد أن تلوثه الأقدام الملوثة في النهاية ومن أجل هذا كله يكره الله الخائنين ويكره الله الخيانة، وقال تعالى “إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور” وقد صرح جل وعلا في هذه الآية الكريمة بأنه لا يحب كل خوان كفور، والخوان والكفور كلاهما صيغة مبالغة، والمقرر في علم العربية أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل، وعلى هذه القاعدة العربية المعروفة فإن الآية قد صرحت بأن الله لا يحب المبالغين في الكفر والمبالغين في الخيانة، ولم تتعرض لمن يتصف بمطلق الخيانة ومطلق الكفر من غير مبالغة فيهما، ولا شك أن الله يبغض الخائن مطلقا والكافر مطلقا.
وقد أوضح جل وعلا ذلك في بعض المواضع، فقال في الخائن كما جاء في سورة الأنفال “وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين” وقال في الكافر كما جاء في سورة آل عمران ” قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين” وقال القاسمي وصيغة المبالغة فيهما لأنه في حق المشركين وهم كذلك، ولأن خيانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا بل هو أمر عظيم، وإن الحديث عن الإيمان حديث ذو شجون وله طعم خاص فهو حديث يأخذك إلى سمو المعرفة وعلو المكانة، تسمعه فتشعر أن كل أطراف الجسد تلتف حول قائدها وهو القلب ذلك أنه محل النية ومنطلق الإيمان، وتسمعه فتعجز أن تمنع دموع عينيك من الإنهمار وأعضاء بدنك من الإرتجاف وحنين فؤادك من الإشتياق، ذلك أن الحديث عن الإيمان.
إنما هو حديث عن الصلة التي بين العبد وربه جل وعلا، وماهيّة تلك الصلة ومدى إستمراريتها وماهي طرق توثيقها، فكم نحن في حاجة للكلام عن الإيمان في قلوبنا وما مدى أثره على أقوالنا وأعمالنا ومشاعرنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا، ذلكم الإيمان الذي يرقى بصاحبه أعلى القمم ويبني له ما تحدثت به الهمم وينزهه عن كل سفول ودنو ولمم، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين، وفقنا الله وإياك لكل خير، وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .