نعم الله علي الأنسان أمانة .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم اما بعد، لقد أمد الله تعالي عبده بأمرين هامين جدا، أولهما هو نعمه العديدة التي أسبغها عليه في ذاته وفي محيطه الذي يعيشه، فعين الإنسان نعمة الله عليه وهي أمانة عنده، والأُذن نعمة الله عليه وهي أمانة عنده، واللسان نعمة الله عليه وهو أمانة عنده، وكل أعضائه ومفاصل عظامه نعم الله عليه وهي أمانات عنده كذلك، والماء والهواء نعمتان لله عليه.
والأرض وما فيها، والسماء وما فيها مسخّرة للإنسان، فهي نعم لله عليه وهي كذلك أمانة عنده، إستحفظ الله الإنسان على كل هذه النعم، ينتفع بها في حدود الطاعة والمنفعة بأن يستعملها فيما خلقت لأجله، فالعين ينظر بها في صنع الله، واللسان ينطق به فيما يرضي الله، وبذا يكون الإنسان أمينا، وإذا شذ الإنسان وإستعمل هذه النعم فيما يغضب الله تعالي فإنه يكون خائنا لله عز وجل، وثانيهما هو التكاليف المنوه عنها في قوله تعالى ” إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال ” وقال العلماء “الأمانة هنا هي التكاليف الشرعية، وهي كل ما كلفنا الله به ووكله إلى نفوسنا وبناه على خالص نيّاتنا” فالعقيدة الدينية أمانة والصلاة أمانة والزكاة أمانة والصوم أمانة والحج أمانة وغير ذلك كثير، فمن أدى ما ائتمنه الله تعالي عليه فهو أمين.
وإلا كان خائنا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخيانة الله تعالي تكون بترك ما أمر به وفعل ما نهى عنه، وخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بإهمال تعاليمه وترك سننه، وخيانة الأمانات تكون بالتفريط فيما استحفظ عليه وعدم رده لأهله، أو رده إليهم معيبا أو منقوصا، أما علاقة العبد بأخيه الإنسان، فقد تستدعي أن يودعه شيئا أو يستحفظه سرا، فذلك عنده أمانة فالمال أمانة والسر أمانة والصنعة أمانة والوظيفة أمانة والشركة أمانة والحكم بين الناس أمانة، فمن أؤتمن على شيء مما ذكر يجب عليه أن يحفظه ويرده لأهله عند طلبه، ولا يستعمله إلا بإذن صاحبه، وإلا كان خائنا، ومن أؤتمن على سر، يجب أن يكتمه ولا يفشيه، وخاصة بين الزوجين، وإفشاؤه خيانة، فقد روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه” وروى أحمد عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده، فقال “لعل رجلا يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأَرمّ القوم” يعني سكتوا فقلت إي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، قال “فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون” والمشورة أمانة، فإذا إستشار المؤمن أخاه في أمر، يجب أن ينصح بما هو خير له، وروى أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “المستشار مؤتمن” أي أمين على ما سئل فيه، وإذا لم ينصح فيه بما هو خير فهو خائن.